كان المذياع الذي أطلق عليه اسم (راديو كرام) من بين الاكتشافات الحديثة التي دخلت إلى كربلاء، ولكن دخوله إلى المدينة كان مشروطاً بأن يبقى بعيداً عن مرقد الإمامين (عليهما السلام) بمسافة كيلو متر، فجرى اختيار مكان مقابل محطة سكة القطار ليوضع فيه ذلك الـ (راديون) كما كان يسمى، وهو مقهى السيد حسين، وبذلك دخل أول راديو إلى كربلاء عام ١٩٤٢م ، ويقع مكان ذلك المقهى حين كتابة هذه السطور في التقاطع المعروف بـ (تقاطع الضريبة) المؤدي إلى حي الحسين (عليه السلام) جنوباً، وحي رمضان غرباً، ومرقد السيد جودة شرقاً.
وكان السيد جعفر قاسم الحيدري أحد تجار مدينة كربلاء المقدسة (1914-2000م) من مرتادي ذلك المقهى، والسبب ليس المقهى طبعاً، بل المذياع وحداثته، وقصة عشقه للسياسة وأخبارها، كما كانت أحداث العالم ساخنة يومها حيث بلغت الحرب العالمية الثانية أوجها، وألقت بظلالها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً على العراق.
كان (الراديون) يحدث الناس - فضلاً عن الإنكليز والفرنسيين- عن ألمانيا واليابان والفرق بينهما، وكذلك الفرق بين اليابان والصين، ومجريات الحرب، والفاشست والنازية والاشتراكية والشيوعية والعلمانية وستالين وهتلر وتشرشل وموسوليني وغيرها من هذه المفردات الجديدة، إضافة إلى أخبار العراق والعالم.
وفي اليوم التالي، يأتي السيد جعفر الحيدري إلى سوق التجار ومعه نشرة الأخبار، فيبدأ الحديث عن السياسة وتطورات الحرب حتى يحل المساء، ليبدأ حوار جديد مع إطلالة كل يوم جديد. وظل حديث السياسة يرافقه طيلة حياته.
وهكذا بقي المذياع رفيق عمره، وحين تطور الجهاز بعد مدة وأصبح أصغر حجماً، وسمح بإدخاله إلى مركز المدينة، وضع السيد جعفر الحيدري جهازاً في محله، ثم انتشر بعدها شيئاً فشيئاً في المدينة.
المصدر: هاشم جعفر قاسم، سوق التجار الكبير شاهد لألف عام، مركز كربلاء للدراسات والبحوث، 2021، ص 312-313.