تحمل مدينة مكانة تاريخية ودينية هامة، مما يجعلها محط أنظار الباحثين في مجالات متعددة ومع التوسع الحضري المستمر الذي تشهده المدينة، تبرز أهمية العوامل الجيولوجية التي تؤثر بشكل مباشر على التخطيط العمراني والتنمية المستدامة ، يلعب التركيب الجيولوجي والتربة وارتفاع مناسيب المياه الجوفية دورًا حاسمًا في تحديد قدرة المدينة على التكيف مع متطلبات النمو الحديث كونه أساس البنية التحتية لأي مدينة وان مواجهة التحديات الجيولوجية يتطلب جهودًا متكاملة بين الباحثين وصناع القرار لتطوير استراتيجيات تضمن نموًا حضريًا مستدامًا مع الحفاظ على الطابع التاريخي للمدينة. كما أن الاستثمار في الحلول العلمية والهندسية سيسهم في تحسين جودة الحياة لسكان المدينة وزائريها الكرام.
تمثل كربلاء جزءاً من السهل الفيضي لنهر الفرات، حيث تغطيها ترسبات طينية ورملية تعود إلى العصر الهولوسيني. تتراوح سماكة هذه الطبقات بين 12 و15 مترًا، وهي طبقات غير متجانسة من حيث الصلابة والقدرة على التحمل. ينعكس هذا التباين الجيولوجي في التحديات التي تواجه عمليات البناء، خاصة في المناطق ذات الرواسب الطينية التي تعاني من الانضغاط وتراكم المياه الجوفية .
حيث تعتبر تربة كربلاء من النوع الطيني الرسوبي، والتي تتميز بخصائص محددة تؤثر على البناء. وفق تصنيفات جيولوجية، فإن التربة في هذه المنطقة تحتوي على نسب عالية من الطين(30%)، ما يجعلها عرضة للانتفاخ أو الانكماش بسبب تغيرات الرطوبة. كما أن هذه التربة تكون غالبًا ضعيفة في تحمل الأحمال، مما يستدعي اعتماد تقنيات تقوية التربة مثل استخدام الركائز أو الأساسات العميقة ، إضافة إلى ذلك، تتميز بعض أجزاء المدينة بوجود ترسبات تحتوي على نسب متفاوتة من الأملاح، وهو ما يزيد من هشاشة الطبقات السطحية، ما يجعلها عرضة للتصدع والتآكل عند التعرض للرطوبة العالية أو النشاط العمراني المكثف.
وتصنف تربة مدينة كربلاء الى نوعين:
.تربة كتوف الأنهار وتوجد على جانبي جدول الحسينية وبني حسن ، وهي ترب مزيجية غرينية ذات نسجة خشنة الى متوسطة الخشونة حسب حجم حبيبات الرمل وتكون نسبة الغرين فيها (2%) والرمل(25%) والطين (22%)، وتسود هذه التربة في اغلب مناطق المينة .
تربة الاحواض تتكون هذه التربة من الترب المزيجية والطينية التي تحتوي على جزيئات خشنة مخلوطة بالغرين تكونت بفعل الفيضانات تتراوح نسبة الطين فيها مابين( 50%_70%) وتحتوي على نسبة عالية من الكلس ، وهي تربة ملائمة للزراعة وساعدت على استغلال الأراضي المحيطة بالمدينة ببساتين الفواكه والنخيل خاصة في الجهات الشمالية والشمالية الشرقية من المدينة والتي شكلت عائق امام توسع المدينة في هذه الجهات.
وتعاني مدينة كربلاء من تحدي اخر وهي مشكلة ارتفاع مناسيب المياه الجوفية، خاصة في المدينة القديمة والمنطقة المحيطة بالحرمين الشريفين حيث سببت المياه الجوفية في تآكل الأساسات وتدهور المباني القديمة.
يُعزى هذا الارتفاع إلى عدة عوامل، منها قرب المدينة من الفرات وتركيبها الجيولوجي الذي يسمح بتسرب المياه عبر الطبقات غير المتماسكة وانخفاض المستوى السطحي الذي تعانيه المدينة وارتفاع مناسيب بحيرة الرزازة الذي يؤثر بصورة مباشرة في ارتفاع مناسيب المياه الجوفية في مركز المدينة.
تشير الدراسات إلى أن المناطق التي تعاني من ارتفاع المياه الجوفية تتطلب تدخلاً هندسيًا عاجلًا، تشمل الحلول المقترحة استخدام أنظمة صرف فعّالة لتحويل المياه بعيدًا عن المناطق الحيوية، بالإضافة إلى تطبيق تقنيات حديثة لمعالجة التربة.
ومع التحديات الجيولوجية التي تواجه كربلاء، فإن الحلول الهندسية الحديثة أصبحت ضرورة من بين هذه الحلول:
معالجة التربة: تحسين خصائص التربة باستخدام التقنيات الكيميائية مثل إضافة مواد مثبتة تقلل من قابليتها للانضغاط.
أنظمة الصرف الصحي والجوفية: تصميم أنظمة صرف فعالة لتقليل تأثير ارتفاع مناسيب المياه الجوفية.
التخطيط الحضري المتوازن: تحديد مناطق البناء المناسبة بناءً على الدراسات الجيولوجية لتجنب إنشاء مبانٍ في المناطق ذات الخطورة العالية.
انظر
د.رياض الجميلي ،مدينة كربلاء دراسة في النشأة والتطور العمراني ،دار البصائر،بيروت،2012،ط1،ص38