تُعدُّ حرفة الصياغة واحدة من أبرز الحرف التقليدية في مدينة كربلاء المقدّسة، تمتد جذورها إلى زمن بعيد، حيث ازدهرت نتيجة للمكانة الدينية والتاريخية للمدينة. وتُعنى الصياغة بصناعة الحُليّ والمجوهرات من الذهب والفضة، وقد تدخل معها الأحجار الكريمة، وتتطلب مهارات دقيقة وإبداعاً فنيّاً متميّزاً.
وبحسب ما جاء في كتاب (الحرف والصناعات اليدوية في كربلاء المقدسة) أحد إصدارات ومؤلفات مركز كربلاء للدراسات والبحوث، فإنّ مدينة كربلاء المقدسة من المدن العراقية الأولى التي احترف بعض رجالها (الصياغة)، والتي كانت تتوزع في ثلاثة أسواق، وهي: سوق العباس الكبير - هُدم عام ۱۹۹۱م - ثمّ سوق الشارع (شارع قبلة العباس ع)، وسوق الداماد الذي يعد السوق الرئيس لكثرة الصاغة القدماء فيه.
ومما يؤكد العمق التاريخي لهذه الحرفة في كربلاء المقدسة، نذكر وصْف الرحالة البريطاني (لوفتس) عند زيارته مدينة كربلاء عام ١٨٥٣م للصاغة في المدينة قائلا: "تشتهر بصناعة المصوغات المخرمة، والحفر المتقن على الأصداف المستخرجة من مغاصات البحرين في الخليج".
كانت الصياغة في مدينة كربلاء تعتمد على الحرفيّين في تصنيع الحلي والمجوهرات بأشكال وأحجام مختلفة، لكن بعد عام ١٩٥٠م ابتاع الحاج كاظم الجحيشي وهو من أشهر الصيّاغ في كربلاء المقدسة وأكبرهم سناً آنذاك، أربع مكائن لسحب معدن الذهب، اثنان من النوع العريض واثنان من النوع الرفيع سعر الواحدة منها (٣٠) دينار عراقي، وبعد أربعة أو خمسة أعوام ابتاع الحاج ناجي الجحيشي ماكنة كهربائية للسحب أيضاً ووضعها في سوق الأخباريين، ثم توالت المكائن وأصبحت الحرفة أكثر سهولة من قبل.
ومن أشهر الصياغ في كربلاء المقدسة الحاج رضا الهندي وأولاده والحاج حسين القصاب وأولاده والحاج كاظم البازي والحاج رضا الصائغ (أبو كريم) والحاج محمد أغا الصائغ والحاج ناجح عمران الصائغ والحاج جواد الملا الصائغ والحاج ناجي الجحيشي، وغيرهم. ومن أبرز الورش في صياغة الذهب في كربلاء المقدسة هي ورشة الحاج عبد الصاحب النصراوي، وورشة نعمة البازي وأولاده والحاج شاكر البازي وأولاده، وورشة السيد محمد علي نصر الله والسيد كاظم نصر الله والسيد مهدي نصر الله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: مركز كربلاء للدراسات والبحوث، الحرف والصناعات اليدوية في كربلاء المقدسة، ص 219 وما بعدها.