مهنة العطارين واحدة من أقدم وأهم المهن التي عرفتها مدينة كربلاء المقدسة منذ القِدم، حيث ارتبطت هذه المهنة بالتراث الثقافي والاقتصادي للمدينة على مر العصور. وتتميز كربلاء بكونها مركزاً دينياً وثقافياً؛ ولذا كان للعطارين دور بارز في تلبية احتياجات الزوار المحليين والأجانب الذين يتوافدون إليها لأغراض دينية أو تجارية.
كان العطارون منذ العصور القديمة من بين أولئك الذين ساهموا في تشكيل أسواق المدينة وتوفير احتياجات السكان والزوار من العطور والمواد الطبية والعلاجية. كانت هذه المهنة مرتبطة بشكل وثيق بالمناسبات الدينية والمواسم الروحية التي تشهدها المدينة، وخاصة في أيام الزيارات الكبرى مثل زيارة الأربعين، حيث يزداد الإقبال على شراء العطور والأعشاب.
وكان العطار في كربلاء يعتمد على مجموعة متنوعة من الأعشاب والزهور الطبيعية التي يزرعها بنفسه أو يستوردها من مناطق أخرى، ومن أبرز هذه المكونات: الورد الجوري، اللافندر، الياسمين، بالإضافة إلى الزيوت العطرية المختلفة مثل زيت الورد وزيت العنبر. كما استخدم العطارون مواد أخرى للعلاج مثل الزعفران والمسك والعود، التي كان لها دور كبير في الطب الشعبي التقليدي.
وتعد أسواق كربلاء التقليدية من الأماكن التي يكثر فيها وجود المحلات المتخصصة في بيع العطور والأعشاب. هذه الأسواق تمثل نقطة التقاء بين الماضي والحاضر، حيث تظل الروائح العطرية المنبعثة من محلات العطارين تملأ الأجواء وتضفي على المدينة طابعاً خاصّاً. وكانت أهم هذه المحلات موجودة حتى أواخر القرن العشرين في عدد من الأسواق، منها: سوق (أبو البسامير) الواقع في منطقة ما بين الحرمين سابقاً، سوق الزينبية، سوق باب الخان المسقّف، سوق العلاوي، سوق باب الحسين المسقّف، وغيرها من الأماكن، ولكن غالبيتها قد اندثر بعد أحداث قمع الانتفاضة الشعبانية سنة 1991م(1).
ورغم التحديات الاقتصادية والتطور الصناعي والتكنولوجي، فإن مهنة العطارة في كربلاء لازالت تحمل في طياتها عبق التاريخ وروح الأصالة، ولازال العطارون يحافظون على تقاليدهم في خلط الأعشاب وتقديم الاستشارات الطبية لزبائنهم. وبالتالي، تبقى هذه المهنة شاهداً على التراث العريق لهذه المدينة المقدسة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الأستاذ علي حميد الحمداني، مقابلة شخصية، 22/11/2024.