عبق الماضي واصالة التراث العراقي الجميل وعادات وتقاليد اهلنا ايام زمان ... ومن هذه العادات والتقاليد، سكب الأهل وخاصة الأمهات الماء وراء اولادهن حين سفرهم او رحيلهم الى جبهات القتال ايام الحروب، او السفر الى ديار الغربة .... لقد خلقنا من الماء كل شيء حي.... صدق الله العلي العظيم
هذه التقاليد التي مارسها الأهل الامهات العراقيات عبر سنين طوال لم يعرف مصدرها جيداً سوى انهم يذكرون بأنها تقاليد جاءتنا من الاتراك واخرون يقولون انها تقاليد ايرانية، المهم انها توارثت أجيالا بعد أجيال واصبحت شيئاً من معتقداتهم، ومنها جاءت فكرة الام بسكب الماء خلف ولدها عندما يسافر لتطرد عنه الشر ويكون محمياً ومحصناً برعاية الله
وحفظه ليعود لها سالماً من سفره هذا، وهذا ما شاهدناه من امهاتنا عندما يسافر أحد أولادها وخاصة في زمن الحروب التي شهدها بلدنا منذ ايام حرب الشمال في خمسينيات القرن العشرين وصولاً الى حرب الخليج وسقوط النظام واحتلال العراق في ۲۰۰۳م، والعجلة تسير والامهات العراقيات لازلن يمارسن الدور مع فلذات اكبادهن فهن عندما يسكبن الماء وراء اولادهن المسافرين وقلوبهن معجون في هذا الماء الذي تسكبه خلفه منتظرة عودته سالما بعد هذا الغياب، ويقولون ان الام قلبها دليلها على ولدها الغائب فحين يصاب بمكروه فقلبها يعلمها لأنها ودعت قلبها أمانة مع الماء الذي رمته خلف ولدها فلذة كبدها، هكذا هو قلب الام. وانا اتذكر عندما كان يحين موعد التحاقي بعملي ايام ما كنت ضابطاً في سرية احتياط شرطة كربلاء، وقتها كلفت سريتي بواجب في شمال بلدنا الحبيب وبالتحديد منطقة تلول مله كنار التابعة لقضاء خانقين ايام السبعينيات من القرن العشرين، حيث كانت والدتي (رحمها الله) تقوم بتمريري من تحت المصحف الشريف وثم تطويقي بقلعة ياسين وتمررها من رأسي حتى وسط جسمي وتكررها ثلاث مرات وهي تقرأ في اذني وتردد ان الذي فرض عليك القرآن لرادك الى معاد وبأدعية العودة والسلامة و ثم سكب الماء خلفي، رحم الله الأمهات و الله يعين الامهات العراقيات الطيبات كم تحملن من مصائب وكوارث هذا البلد المظلوم .... نسأل الله العلي القدير ان يرحم امهاتنا ويجعل قبورهن روضة من رياض جناته وان يحمي بلدنا وشبابنا من كل مكره ويعود كل غائب الى امه واهله سالما يارب
المصدر / صاحب الشريفي / كتاب كربلائيون في ذاكرة التراث الشعبي / ص ٣٧٥