يذكر التاريخ إن أول مأتم أقيم بعد واقعة الطف مباشرة تكوّن من السيدات والفتيات والعلويات، وهن زوجات وأخوات وبنات الإمام الحسين (عليه السلام)، وقد عقد هذا المأتم في العراق فوق ساحة المعركة وتحت بقايا شمس يوم العاشر من المحرم سنة ٦١ هـ، إذ كانت القلوب مثقلة بالأحزان والأشجان والصدور ملأى باللوعة والآلام، تعالت فيها صرخات نساء بني هاشم في كل ركن من أركان الطف، حيث قتل السبط الشهيد، فواحدة تندب أباها، وأخرى تندب أخاها ، وثالثة وليدها، فأقيم المأتم بعد تجمع النسوة من بني هاشم أم كلثوم وزينب وسكينة وبقية النساء الهاشميات، وقيل أنه استمر ثلاثة أيام بلياليها.
كما أقيم مأتم آخر وسط الطريق عندما سيقت النساء أسيرات إلى الشام فعلى طول الطريق كانت النساء يندبن قتلاهن وينشرن مظلومية أهل البيت (عليهم السلام) والمبادئ التي ضحى من أجلها الحسين (عليه السلام) وأهل بيته وأصحابه، ويقول الإمام زين العابدين (عليه السلام): (وكلما دمعت عين واحدة منا قرعوا رأسها بالرمح تارة وبالسياط تارة أخرى).
وأقامت العقيلة زينب (عليها السلام) وبقية الهاشميات بيتاً للنياح على أخيها الحسين الشهيد (عليه السلام) في دمشق فلم تبق هاشمية ولا قرشية إلا ولبست السواد على الحسين (عليه السلام).
وانتقلت المآتم الحسينية إلى المدينة المنورة، وكانت أول باكية على الحسين (عليه السلام) أم سلمة زوجة النبي (صلى الله عليه وآله) ، وأقامت أول مأتم للحسين في المدينة المنورة، وكان الموالون يأتون ويعزون تارة بالشعر المرثي وتارة بالنثر.
وفي كربلاء أقيم أيضاً مأتم لسيد الشهداء (عليه السلام) لزوجته الرباب بعد رجوع رأس الحسين من الشام إلى العراق ويسمى (مرد الرؤوس) وكان رأس الحسين (عليه السلام) قد رفع على رمح طويل وأخذ مع قافلة السبايا إلى يزيد، وبعد أربعين يوماً من استشهاد الحسين له عاد الامام زين العابدين (عليه السلام) يزور قبر أبيه ووجد أمامه جابر بن عبد الله الانصاري ومعه عدد من بني هاشم جاؤوا لزيارة الحسين، ومما قاله الإمام السجاد لجابر الأنصاري: (ها هنا والله قتل رجالنا وذبحت أطفالنا وسبيت نساؤنا وحرقت خيامنا).
نسأل الله تعالى أن يديم علينا نعمة الخدمة الحسينية والأسى واللوعة على رزية كربلاء ومصائب أهل بيت النبوة (عليهم السلام).
المصدر: الدكتور فالح القريشي، الإمام الحسين في الضمير الإنساني، ص226.