من المعروف أن لخطب ممثلي المرجعية الدينية العليا من خلال منبر صلاة الجمعة في الصحن الحسيني الشريف، الوقع المهم والأثر البالغ في رسم أسس الدولة العادلة والتعايش السلمي بين مختلف مكونات المجتمع العراقي. ومن بين أهم الحالات التي تصدى لها هذا المنبر الشريف، إشاعة ثقافة احترام القانون كضمانة مهمة لاستقرار الأوضاع في البلاد.
شدد (المنبر) خلال أكثر من خطبة على أهمية القانون وتشريعه لضبط المسار في الدولة، معرباً عن اعتقاده أنه في العراق لابد أن تأخذ الأمور مجراها الطبيعي عن طريق مجموعة من القوانين، وأنه من الضروري أن يخضع الجميع لسلطة القانون، فيجب ألا يستثني القانون أحداً، ويأخذ مجراه، لكنه لا يمكن أن يكون قانوناً قوياً على الفرد الضعيف، وقانوناً ضعيفاً أمام الفرد القوي . وشدّد أيضاً على أن عصب البلاد يكون في قوة الدولة، وقوة الدولة تكمن في قوة قوانينها.
وذكّر (المنبر) أن الشعوب المتقدمة في وقتنا الحاضر ما وصلت إلى ما وصلت إليه من التقدم والازدهار إلا بمجموعة من الأسباب، وأحد الأسباب الأساسية تقديس القانون واحترام التعليمات والتوجيهات والأنظمة التي هي في مصلحة الجميع، حيث صار عندهم القانون والنظام أمران مقدسان، ونحن كذلك نحتاج إلى هذه الصفة، وهي بالأساس ملقاة على عاتق المواطنين أولاً.
وطالب (المنبر) الحكومة، بوصفها سلطة تنفيذية تشرف على تنفيذ القانون، أن تضرب بيد من حديد كل خارج عن القانون، وعليها أن تضرب بيد من حديد كل من يحاول أن يخرج عن القانون، فالقانون العراقي ليس قانوناً شخصياً لزيد أو عمر، داعياً إلى تقوية القانون والمؤسسات القانونية، وأنه لابد أن تكون سلطة القانون قوية جداً، وهو ما استمر في تأكيده عبر قوله : "نريد أن نقوي سلطة القانون؛ لأن القانون إذا قُوِّي فالكل يشعر بالأمان"، كما دعا (المنبر) السلطة التشريعية، ممثلة بمجلس النواب، إلى تشريع القوانين اللازمة لتسهيل معاملات المواطنين، وتحديث القديم منها، والذي يتسبب في زيادة معاناة المواطنين أثناء مراجعاتهم لدوائر الدولة المختلفة.
يظهر مما تقدم، أن المرجعية العليا من خلال منبر الجمعة، أرادت أن ترسخ ثقافة احترام القانون لدى المواطنين، وأن هذه الثقافة تعود بالمصلحة والنفع للمواطن نفسه قبل سلطات الدولة التي تتحمل المسؤولية الأكبر في ذلك.
المصدر: أنور سعيد الحيدري، المنبر والدولة.. قراءة في خطب الجمعة السياسية، ج4، إصدارات مركز كربلاء للدراسات والبحوث، 2024، ص204.