في عام 858هـ (1454 م)، شهدت مدينة كربلاء المقدسة حادثة مأساوية على يد مولى علي المشعشعي، الذي كان يتبنى أفكاراً غالية في الإمام علي (عليه السلام) ويعتقد بألوهيته، تولى علي المشعشعي الحكم في حياة والده، محمد بن فلاح، وقاد جيوشه لاحتلال مناطق واسعة في خوزستان، ثم توجه نحو وسط العراق، بعد مشاركته في حرب البصرة، واجه جيش بغداد بقيادة دوه بيك، وتمكن من دحرهم. ثم اتجه إلى الحلة، حيث نهب أموالها، أحرقها، وهدم دورها، وبقي فيها ثمانية عشر يومًا.
بعد ذلك، توجه علي المشعشعي إلى النجف الأشرف، فدخلها وسلب أموالها، ودخل بفرسه إلى داخل الحرم الشريف، حيث كسر الصندوق الموضوع على قبر الإمام علي (عليه السلام) وقتل الموجودين في ذلك المكان، يذكر ضامن بن شدقم المدني في كتابه (تحفة الأزهار وزلال الأنهار) أن علي المشعشعي أحرق الحجر الدائر على قبة الإمام علي (عليه السلام) وكان يقول: (إن الإمام علي هو الرب الذي لا يموت).
في شهر صفر من سنة 858 هـ، توجه علي المشعشعي إلى كربلاء، فدخلها وقتل الكثير من سكانها، وأسر بعضاً آخر، ونهب أموالها، ثم دخل إلى الحرم المطهر بفرسه، وأمر بكسر الصندوق الموضوع فوق القبر، وسلب ما كان موجودًا في الحرم المطهر، وجعل الروضة الشريفة مطبخا لطهي طعام جنوده، بعد سماعه بقدوم جيش كبير لمقاتلته بقيادة بير بوداق، فر هارباً إلى البصرة، وبقي هارباً إلى أن قُتل على يد أحد أعوان الأمير بوداق، الذي استطاع أن يقتله بسهمٍ أثناء استحمامه.
تُعد هذه الحادثة من الأحداث المؤلمة في تاريخ كربلاء، حيث تعرضت المدينة لانتهاكات جسيمة على يد علي المشعشعي، وقد أشار الأديب محمد طاهر السماوي إلى هذه الواقعة في أبيات شعرية، منها:
والحادث الثامن ما قد صنعا * علي أعني الفاتك المشعشعا
ابن فلاح إذ أتى بالمين * لمرقدي حيدر والحسين
وقال إن القبر حي جلل * ونهب الأعيان في تلك العلل
ولم يبق لا هنا ولا هنا * عينًا ترى مجوهراً أو معدنا
تجسد هذه الأبيات حجم المأساة التي حلت بكربلاء على يد علي المشعشعي، وتبقى هذه الحادثة واحدة من الصفحات السوداء في تاريخ كربلاء، حيث تعرضت المدينة لموجة عنف ونهب وانتهاك لمقدساتها، وقد خلد المؤرخون والشعراء هذا الحدث في كتبهم وأشعارهم، ليبقى شاهدا على الفتن التي مرت بها المدينة المقدسة، وعلى صمودها رغم المحن التي ألمّت بها عبر التاريخ.
راجع
د.عبد الجواد الكليدار آل طعمة،تاريخ كربلاء وحائر الحسين (عليه السلام)،المطبعة الحيدرية،النجف الاشرف،1948م،ط1،ص203
زين العابدين سعد عزيز