لم تشر مصادر التاريخ الحديث إلى وجود السكن والاستقرار في مركز مدينة الهندية قبل حفر قناتها عام ۱۷۸۰م من قبل مؤسسة (أوده)الهندية، باستثناء بعض التلال الأثرية القديمة التي يعود تاريخها إلى العهد البابلي القديم (۱۹۹۸ ١٥٨٠ ق.م) ، وهي تبعد بضعة كيلو مترات شمال المدينة وجنوبها، ومما يؤكد ذلك وصف الرحالة الفرنسي (لجان) للمنطقة أثناء زيارته لها عام ١٨٦٦م برفقة السلطات العثمانية التي كانت تلاحق بعض الأهالي الذين امتنعوا عن دفع الضرائب، حيث وصف الهندية خالية من البيوت، لا أثر فيها للبشر باستثناء قبور بعض الشيوخ الصالحين وخياماً سوداء لبدو ضعاف البنية قساة الطبع، وبعد ذلك يشير إلى بحيرة الهندية الواقعة غرباً، والمتكونة من فيضانات قناة الهندية، ويشبّهها و أهوارها بالسور الحصين الذي يحول دون وصول السلطات إلى أعراب المنطقة. أما الأراضي الممتدة فيما وراء القناة فهي أرض جرداء على حد وصفه.
ومن خلال ما تقدم يتضح لنا أن التواجد السكاني في المنطقة كان موجوداً ولكن بصورة متفرقة، لاسيما بعد جفاف الأجزاء الشرقية من أراضي نهر الهندية والمتصلة بمنطقة الحلة المشهورة بزراعة الرز، مما شجع بعض العشائر إلى النزوح والاستيطان فيها، فبدأ الظهور التدريجي السكاني في المنطقة نتيجة للهجرات الأسرية والعشائرية التي شعرت بأن توفر الأرض والماء هو المكان الملائم للعيش والاستقرار فيها، وبمرور السنين تكاثر سكانها وازداد تطورهم الاجتماعي وأصبحت المنطقة مدينة حضارية تحيط بها المستوطنات العشائرية التي امتهنت الزراعة وتربية الحيوانات.
شهدت المدينة خلال عهد الوالي العثماني مدحت باشا ١٨٦٩-١٨٧٢م، تطوراً واضحاً في إدارتها وتطور خدماتها الاجتماعية، الأمر الذي بموجبه تم ترشيحها إلى درجة قضاء تابعة إداريا إلى لواء الحلة عام ١٨٧٠م. وعلى الرغم من هذا التطور فإن المدينة شهدت صراعاً عشائرياً من أجل الاستحواذ على الأرض والماء، أو بين العشائر والحكومة بسبب سياستها التعسفية إزاءهم.
وعلى إثر ذلك، كانت تسلخ منها مناطق تارة، وتارة تضاف أخرى فضلاً عن بعض الإجراءات الإدارية الهادفة لسد النقص الحاصل في الواردات أو لتعزيز مناطق سكنية أخرى، فخلال المدة ١٨٦٩-۱۹۰۰م كانت ضمن حدود القضاء عدة نواحي وقرى ومناطق مثل المسيب وجرف الصخر وسدة الهندية وأبو غرق والكفل وعوفي والطهمازية، وقسم من أراضي منطقة الكوفة الشمالية وبعض المناطق التي تقع ضمن أراضي أم عباسيات وخان الربع وخان النص.
وعلى الرغم مما تقدم، فان المدينة تميزت بتطورها وتوسعها وظهور بعض الشخصيات العشائرية والاجتماعية والدينية التي تمثلت بدورها الواضح في حل الأزمات العشائرية ومطالبة السلطة العثمانية وإرغامها أحياناً للاستجابة لمطالب أهالي المنطقة.
المصادر:
1- فلاح محمود خضر، مدينة الهندية (طويريج) نشأتها وتطورها الحضاري)،2007، ص 38.
2- علي حمزة سلمان، الحياة الاجتماعية في مدينة طويريج، 1780-1914، ص1 وما بعدها.