استنتاج
نستنتج من خلال ما تقدم من الشواهد والبينات التاريخية التي اعتمدناها في دراستنا هذه الى نتيجة مفادها: أن موضع مقام المخيّم الحسيني جغرافياً؛ يقع أمام التل الزينبي ممتداً نحو باب السدرة (حالياً).
لقد عقد مركز كربلاء للدراسات والبحوث في العتبة الحسينية المقدسة سلسلة من الحلقات النقاشية والورش العلمية التي حضرها نخبة من الأكاديميين، وضباط الأركان في الجيش والشرطة من قيادة عمليات كربلاء، والحشد الشعبي، وكانت حصيلة تلك المناقشات ما يأتي:
اختيار الإمام الحسين عليه السلام لموقع أرض المعركة ، للاستفادة من وجود التلال بوصفها حاجزاً ومانعاً طبيعياً ضد أي هجوم غادر للعدو أو التفاف محتمل من الخلف، فضلاً عن القدرة على صدّ هجومه من جهة اليسار، وبذلك تمكن الإمام الحسينj من تجريد العدو من أهم سلاح يمتلكه؛ وهو سلاح التفوق العددي، مما أوجد حالة من التوازن الدفاعي، وفي هذا دلالة واضحة على الحنكة العسكرية التي يتمتع بها الإمام عليه السلام.
المبادرة الى أسلوب التعبئة العسكرية وإعادة التحشد كماً وكيفاً
تشتيت قوة العدو وجعله يهوي نحو الضعف وإيجاد حالة من الاضطراب في نظام القرار لدى قيادته بسبب سلبه القدرة على استثمار عامل الأرض.
الأخذ بزمام المبادرة وسلبها من جيش عمر بن سعد وإحداث الاخلال بالتقسيم العسكري لديهم وخفض ميزان الكفاءة القتالية.
فرض جهة الهجوم وطبيعة التقسيم العسكري لتنظيم القطعات الخاصة بالعدو بواسطة عامل الأرض.
إتخذ الإمام من التلة الوسطية (الزينبية حالياً) باتجاه التلال الممتدة في الجهة الشمالية (بامتداد باب السدرة) لينصب فيها خيامه، إذ اختار مكان خيم النساء في الوسط، ثمّ أحاط بها خيمته وخيام أهل بيته وأصحابه، وجعل هذه الخيام متداخلة حتى لا يمكن للعدو الوصول إليها؛ وفي وسط هذا الموضع الذي اتخذ شكلاً هندسياً شبيهاً بحذوة الفرس وتمركز الإمام وأصحابه في هذه البقعة وتأهبوا للدفاع عن مواضعهم وخيامهم، كما بيّنا في الصفحات الآنفة الذكر، فضلاً عما ذكر؛ ودلالة على ذلك.
ذكر المفيد: وأقبل القوم يجولون حول بيوت الحسين عليه السلام فيرون الخندق في ظهورهم والنار تضطرم في الحطب والقصب الذي كان ألقي فيه؛ ولم يكن لهم طريق إلّا من وجه واحد.
ذكر البلاذري: ودعا عمر بن سعد الحصين بن تميم، فبعث معه المجففة وخمسمائة من المرامية، فرشقوا الحسين وأصحابه بالنبل حتى عقروا (عامة) خيولهم فصاروا رجالة كلهم . واقتتلوا نصف النهار أشد قتال وأبرحه، وجعلوا لا يقدرون على إتيانهم إلّا من وجه واحد لاجتماع أبنيتهم وتقاربها، ولمكان النار التي أوقدوها خلفهم . وأمر عمر بتخريق أبنيتهم وبيوتهم فأخذوا يخرقونها برماحهم وسيوفهم.
وتأسيساً على ما تقدّم؛ فمن غير المعقول أنّ الامام عليه السلام يأمر بوضع الحطب في الخندق الذي تم حفره ليلة العاشر من المحرم لإحراقه؛ ليفوت الفرصة على العدو من الإلتفاف عليه ومن معه وخيام عياله وأصحابه علاوة على سهولة الحماية من اليمين والشمال بالتلال والخندق، وفي هذا الحال تكون الخيام أمام التل والخندق لا خلفه كما ذهب البعض بالقول أنّ مخيم الركب الحسيني كان خلف التلال والخندق؛ فلو كان ذلك فعلاً كما ادعوا لكان قد سهل على العدو التصرف بالمخيّم الحسيني كيفما يشاء من أسر النساء والأطفال وغيرها من الأعمال الوحشية التي لا يتورع العدوّ عن القيام بها.
ونستنتج من ذلك؛ أنّ طبيعة أرض المعركة جغرافياً؛ عبارة عن مكان مرتفع تحصّن به الإمام الحسين وأهل بيته الأطهار عليه السلام وأصحابه، ويعبّر عنه اليوم (التل الزينبي) ممتداً حتى شارع السدرة، أما المرتفع الثاني؛ فهو جزء من الجهة الشرقية ويبتدأ من سوق الخفافين المقابل لمدخل الصحن الشريف (باب قاضي الحاجات) حتى نهاية شارع قبلة العباس عليه السلام.
أما المنخفض الذي كان وراءهم والوارد في رواية الطبري وغيره كما تقدم؛ فإنّه يبتدأ من التل الزينبي نحو باب قبلة الإمام الحسين عليه السلام حتى بداية سوق الخفافين، وأنّ كل ما قيل ويقال خلاف ذلك؛ نراه غير مستند إلى حقيقة، أو شاهد تاريخي يمكن الركون إليه أو الاعتماد عليه. ونؤكد عدم اخلال أو تعارض فيما أثبتناه مع موقع المخيم الحسيني الحالي، كونه مقام يمثل الرمزية، مع قربه من المرقد الشريف.