ثمار من شجرة سيّد الشهداء عليه السلام
بقلم/ محمد طهمازي
يعتقد الفيلسوف الألماني أوزوالد سبنجلر أن الحضارات مثلها مثل الكائنات الحية تولد وتنضج وتزدهر ثم تموت. وهو هنا يتحدث عن الصنف السائد من الحضارات في التاريخ البشري والتي عادة ما تغلف نفسها بالغلاف المادي، مهما كان شكل بداياتها، وتضل تدور وتتحرك داخله حتى تصبح مادية بحتة ثم تصل لمرحلة التآكل كأي حجر تضربه عوامل التعرية الطبيعية ثم تندثر.
إن وجود الكيان الحضاري الحسيني، كما نسميه، ما يزال في حالة حراك وفاعليه منذ ما يقارب الـ(1400عام) وما زالت شعلته متقدة وإن دفنت في مراحل متفاوتة تحت الرماد لكنها لم تنطفئ، وهذا أمر غريب وإن كان قد حدث في حالات نادرة لكنها لم تكن بهذا الزخم والاستمرارية فما السر في ذلك؟
لقد تعرضت المساحة البشرية أو السكانية الحسينية سواء كانت بشكل مجموع شعب أو أمة أو كانت على شكل جماعات كأقليات في بلدان مختلفة لاضطهادات وانتهاكات وجرائم وصلت لمستوى جرائم الإبادة البشرية وبشكل مستمر طوال مئات من السنين، وحتى يومنا هذا، والحرب عليهم لا تتوقف عند جانب دون غيره بل كانوا مطوّقين بجملة حروب وحصارات لا أول لها ولا آخر وصلت لحد منعهم حتى من أبسط طقوسهم في طبخ الطعام ثوابًا لأئمتهم. مقابل كل هذا لم نجد منهم انصياعًا ولا رضوخًا بل إصرارًا وثباتًا وتحديًا، وهذا الأمر يأخذنا لرأي المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي في نظريته عن التحدي والاستجابة في كتابه (دراسة التاريخ). حيث يعتقد توينبي أن الحضارات تقوم فقط حيث تتحدى البيئة الناس، وحينما يكون الناس على استعداد للاستجابة للتحدي. على سبيل المثال، فإن الجو الحار الجاف يجعل الأرض غير مناسبة للزراعة ويمثل تحديًا للناس الذين يعيشون هناك. ويمكن أن يستجيب الناس لهذا التحدي ببناء أنظمة ري لتحسين الأرض. في أرض سومر قامت أولى حضارات التاريخ الإنساني حضارة أوجدت المفاتيح لقيام الحضارات التي تلتها ولليوم ما تزال البشرية مدينة لها من اختراع الكتابة إلى العجلة إلى علم الفلك... ولو نظرنا للمنطقة التي قامت عليها لوجدناها منطقة تشهد درجات حرارة عالية ورطوبة خانقة وفيضانات مدمرة لكن الإنسان السومري الرافديني استجاب لهذا التحدي بصورة مبدعة ورائعة ما تزال تذهل العالم.
يتبع..