الروايات التأريخية
ما كتاب التواريخ؟
في بداية الكتاب يصرح المؤلف أن ما دفعه لتأليف هذا العمل هو الاختلاف بين الطوائف المسيحية في حساب أيام الأعياد، فقرر دراسة الأمر والاجتهاد في شرح كيفية حساب هذه الأعياد بطريقة صحيحة بحيادٍ وبعيداً عن التعصب. إلا أن ابن الراهب في كل ما يعرضه من آراء وحسابات إنما يسعى دائما لاثبات رأي الأقباط مقابل رأي الطوائف الأخرى، بل نجده ينتصر أيضاً لرأي القبط المصريين (القاهريين) في حساب "الأبقطي" وما يتعلق به مقابل رأي القبط "الصعيديين" إذا ذهبوا في حسابهم مذهباً آخر.
وقد قسم كتاب التواريخ الى ثلاثة اقسام فكان اكبرها القسم الأول إذ أخذ ما نسبته 40% من حجم الكتاب كاملاً، فضمنه ما يتعلق بالحسابات الفلكية مثل السنة الشمسية والقمرية وشهور كل سنة، وتقويم الشعوب "اليهود والفرس والبيزنطيين والسريان والمصريين والعرب" والطوائف المسيحية "الاقباط والروم والسريان والاحباش" واستخرج تواريخ بعض الاحداث المهمة وحساب المدة الزمنية بينها ولاسيما المتعلقة بخلق العالم والأحداث المهمة في حياة السيد المسيح على الأرض "ميلاده ومعموديته وصلبه وقيامته" وكذلك يتناول حساب "الأُبقطي" المستعمل في استخراج يوم الاحتفال بعيد الفصح "قيامة المسيح" وما يتعلق به من حسابات أخرى. وينتهي هذا القسم بجدول لأعياد الشهداء والقديسين والمناسبات الكنيسية المهمة.
أما القسم الثاني: فقد تناول في أوله تاريخ العالم من آدم إلى نهاية الحكم البيزنطي لمصر في عهد هرقل (610 - 641م) مروراً بإنبياء بني إسرائيل وملوكهم والسبي البابلي والمكابيين وحكم الرومان والبيزنطيين كل ذلك في جدول يحتوي على أسماء 166 شخصية ويقدم مختصراً لحياة كل منهم وعدد سني حياته أو مدة حكمه من عدة مصادر مختلفة ذُكرت كل منها في عمود من الجدول.
وفي الباب الثاني منه يقدم المؤلف جدولاً آخرا به ثبت بخلفاء الدولة الإسلامية وحكامها وإلى بداية عصر المماليك، مع التركيز على حكام مصر حتى يُنهي قائمته بتولي الملك المنصور بن عز الدين أيبك عام 1257م. وفي هذا الجدول يذكر المؤلف أيضاً مُدة خلافة كل حاكم منهم بالأيام والسنين الشمسية والقمرية، وتاريخ سني العالم.
أما الباب الثالث "الأخير" من هذا القسم فيضم جدولاً بأسماء بطاركة الكنيسة القبطية، ومختصر تاريخ كل منهم، من القديس مرقس إلى البابا أثناسيوس الثالث (1250 - 1261م) الذي لا يذكر المؤلف تاريخ وفاته، مما يشير إلى وضع الكتاب أثناء حبريته. فضلاً عن ذلك يرد في الجدول مدة بطريركية كل منهم بالسنين والأيام، وأسماء الحكام المعاصرين لكل بطريرك.
أما القسم الثالث: وهو بحجمه يمثل باباً أخيراً ولكنه عُد قسما قائماً بذاته، أو ربما ملحقاً للكتاب. وذلك لاختلاف موضوعه، إذ أنه يتناول المجامع المسكونية.
ومن هذا المحتوى المتنوع لكتاب التواريخ ندرك أن لعنوان الكتاب معنيين، حيث أن كلمة "تواريخ" قد تعني الأحداث أو الوقائع التاريخية، ولكنها تعني أيضاً التقاويم، ونجد كتاب التواريخ يعرض معلومات من كلا النوعين، لذا أن اختيار المؤلف لهذا العنوان لا يخلو من فطنة ومهارة.
وعلى "كتاب التواريخ" لابن الراهب استند المكين جرجس بن العميد في الجزء الأول من تاريخه المعروف باسم "المجموع المبارك". كذلك نقل قسم من المؤرخين المسلمين عن ابن الراهب، مثل ابن خلدون (1332- 1406م)، والقلقشندي (1355 - 1418م)، والمقريزي (1364 - 1442م)، واستعملوا "كتاب التواريخ" كمصدر للتاريخ المسيحي في مصر بصفة خاصة أو في العالم بشكل عام، وكان استعمالهم لهذا المصدر في أغلب الظن بطريق غير مباشر من خلال تاريخ ابن العميد.
الأستاذ عبد الأمير القرشي
باحث إسلامي