الروايات التأريخية
الروايات التاريخيّة التي تناولت عدد أصحاب الإمام الحسين ع يوم عاشوراء، تفاوتت في ذلك.
فقسم منها ذكرت أعدادهم منذ لحظة خروج الإمام من المدينة المنوّرة، ومنهم من ذكرها عند انطلاقته من مكّة، والاخر بحسب منازل الطريق.
وممّا لا شكّ فيه أنّ هذه الأعداد كانت تتغيّر بحسب المنازل، وتوجهات ساكنيها، وأعدادهم حتى مجيئ خبر استشهاد مسلم بن عقيل، وانصراف العدد الأكبر منهم، فضلًا عن تداخل الأسماء بعضها ببعض، وما يحصل من سقوط، أو تحريف، أو لبس، أو تصحيف، كلّ هذه الأسباب جعلت الأعداد غير مستقرّة، وهذه خلاصتها:
القول الأوّل:
رواية الفضيل بن الزبير الرسّان الأسديّ الكوفيّ الزيديّ، ويعد كتابه (تسمية من قُتل مع الحسين عليه السلام)، من أوثق المصادر في الموضوع، إذ ذكر أنّ عدد المستشهدين (106)، منهم (20) من الهاشميين، بضمنهم الإمام الحسين ومسلم بن عقيل، الذي استشهد في الكوفة و، وبذلك يكون عدد المستشهدين من بني هاشم يوم الطف عدا الإمام الحسين عليه السلام (18)، أمّا عدد الانصار (86) بضمنهم المستشهدين في الكوفة قبل الواقعة وهم (هاني بن عروة وعبد الله بن يقطر وقيس بن مسهر الصيداوي) وبذلك يكون المستشهدين يوم عاشوراء (83)، بحسب رواية الفضيل.
وقد طبع كتاب الفضيل ثلاث مرات في الامالي الخميسية ليحيى بن الحسين الشجري (ت479هـ) وأخرى في الحدائق الوردية لحميد الشهيد المحلي (ت652هـ) وثالثة في مجلة تراثنا العدد الثاني عام 1406هـ بتحقيق: عميد المحققين سماحة الحجة السيد محمد رضا الجلالي، وقد ثبتنا على الكتاب بعض الملحوظات المهمة والجوهرية في كتابنا (البالغون الفتح في كربلاء).
وإذا أخذنا بالحسبان أنّ المصدر تضمّن أسماء شخصيات لم يتم ثبوت صحبتها وحضورها مع الإمام الحسين يوم عاشوراء بحسب تحقيقاتنا وهم:
سلمان بن مضارب.
وكثير بن عبد الله الشعبيّ؛ الثابت أنه من جيش عمر بن سعد
مهاجر بن أوس: الثابت أنه من جيش عمر بن سعد. في حين أنّ الفضيل لم يذكر الشهيد زهير بن القين البجليّ، وهو من أبرزهم؛ وبذلك يكون عدد الشهداء من الهاشميين والأنصار استنادًا إلى تحقيقاتنا على كتاب الفضيل (98).
القول الثاني:
ما حكاه ابن قتيبة الدينوريّ في مقتل مسلم قائلًا: «قال: فلمّا أصبح دعا به عبيد الله بن زياد وهو قصير، فقدّمه، لتضرب عنقه، فقال: دعني حتى أوصي، فقال: أوص، فنظر مسلم في وجوه الناس فقال لعمرو بن سعيد: ما أرى هاهنا من قريش غيرك، فادن منّي حتى أكلمك، فدنا منه، فقال له: هل لك أن تكون سيّد قريش ما كانت قريش؟ إنّ الحسين ومن معه وهم تسعون بين رجل وامرأة في الطريق فارددهم، واكتب إليهم بما أصابني. قال: فضرب عنقه، وألقاه عمرو لعبيد الله، وقال: أتدري ما قال؟ فقال عبيد الله: اكتم على ابن عمّك. فقال عمرو: هو أعظم من ذلك، فقال ابن زياد: فأيّ شيء هو؟ قال: أخبرني أنّ الحسين ومن معه قد أقبل. وهم تسعون إنسانًا بين رجل وامرأة. فقال: أما والله إذ دللت عليه لا يقاتلهم أحد غيرك».
ومن المؤكد أنّ الذين خرجوا مع الإمام من مكّة، لم يكن بينهم مكّيّ واحد، وهذه الحالة ليست مستغربة، فقبلها معركة الجمل، لم يخرج مع أبيه الإمام عليّ عليه السلام مكّيّ واحد أيضًا، وهنا أذكر قولًا للإمام السجاد عليه السلام: «ما بمكة والمدينة عشرون رجلا يحبنا».
القول الثالث:
رواية المسعوديّ بأنّهم خمسمائة فارس ومائة راجل، من أهل بيته وأصحابه.
فلما بلغ الحسين القادسية لقيه الحر بن يزيد التميمي فقال له: اين تريد يا ابن رسول الله ؟ قال: اريد هذا المصر، فعرّفه بقتل مسلم وما كان من خبره، ثم قال: ارجع فإني لم أدع خلفي خيراً أرجوه لك، فهَمَّ بالرجوع فقال له إخوة مسلم: والله لا نرجع حتى نصيب بثأرنا أو نقتل كلنا، فقال الحسين: لا خير في الحياة بعدكم، ثم سار حتى لقي خيل عبيد الله بن زياد عليها عمرو بن سعد بن أبي وقاص، فعدل الى كربلاء - وهو في مقدار خمسمائة فارس من أهل بيته وأصحابه ونحو مائة راجل.
وقد انفرد بها المسعوديّ، دون أن يذكر مصدره في ذلك، فضلًا عن مخالفتها لكلّ الروايات التاريخيّة الأخرى في الموضوع. وقد تكون هذه الأعداد التي ذكرها المسعوديّ كانت مع الإمام قبل مجيء خبر استشهاد مسلم بن عقيل وهاني بن عروة وعبد الله بن يقطر عند لقائه بالحر الرياحي، غير ان الشيخ شمس الدين ذهب الى القول: «نحتمل أنّ المسعوديّ وقع ضحية التباس وتصحيف بين (خمسة) و(خمسمائة). والراجح عندنا أنّ في الرواية سقطًا، بدلالة ذكره لأعداد الشهداء بعد المعركة بــ سبعة وثمانين بقوله: وكان جميع من قُتل مع الحسين في يوم عاشوراء بكربلاء سبعة وثمانين، منهم ابنه عليّ بن الحسين الأكبر».
الأستاذ عبد الأمير القرشي
باحث إسلامي