أقوال باطلة:
بعد أن افتُضح أمر محاولات التضليل والتشوية، التي اختطّها الإعلام الأمويّ، فباتت لا تجديهم نفعًا، عمدوا إلى تغيير أساليب اللعبة، من خلال اختراق الشيعة أنفسهم، فظهرت فئة ممّن عرفت هذه النهضة، ومكانة صاحبها، وأهدافه، فغدت تمارس التحريف من خلال تنصيب نفسها مدافعة عنها، في حين تعمل على هدمها، وحرفها عن مسارها، وإعطاء تصورات وهمية للناس عنها، وغالبًا ما يكون سلاحها في ذلك، التهويل، واستغلال عواطف الناس السذّج، وتجييشهم؛ لكسب تأييدهم.
هذه الفئة تمارس الحرب الخفيّة على نهضة سيد الشهداء ع، والكشف عنها يتطلب جهدًا كبيرًا؛ لأنّها تتلبس ثياب المدافع المتباكي على الإمام الحسين عليه السلام ونهضته. وبدلًا من أن يقوم طالب الحقيقة في البحث والتقصي عن تفسير منطقي بدلالة دامغة يسدل الستار عمّا يختلج في داخله من شبهات وأوهام ألا أن اللافت للنظر أنهم اختاروا الإنكار والتشكيك بهدف زلزلة عقائد الناس والتأثير على عقولهم لتغيير قناعاتهم، فذهبوا الى الطعن بعدد الشهداء الذين كانوا مع الإمام الحسين عليه السلام ومما يُثار على الساحة اليوم، في هذا الميدان، هو كم عدد أصحاب الإمام الحسين عليه السلام يوم الطف؟. إذ يشيعون بأنّ عددهم عشرة آلاف مقاتل، وأنّ المعركة استمرّت ثلاثة أيّام. ولا دليل لهم على ذلك سوى المزاعم الواهية، التي لا تسمن، ولاتغني من جوع وتفتقر في حقيقتها الى دليل علمي واضح يمكن الركون اليه سوى تخيلات بالية بعيدة عن المنهج العلمي والتحليل المنطقي للروايات التاريخية، ومن هذه الاقوال الباطلة "من غير المعقول أن يحشّد جيش قوامه ثلاثون ألف مقاتل، لمواجهة ثلاثة وسبعين مقاتلًا، فالثلاثة والسبعون الذين قاتلوا مع الإمام الحسين ع، هم قادة الجيش، وحملة الرايات، وليس كلّ الذين قاتلوا معه، إذ من غير المعقول أنّ شخصية كالإمام الحسين عليه السلام ، يخرج معه هذا العدد القليل"، وكأنهم لم يقرأوا التاريخ ولم يطلعوا على ما جاء في القران الكريم من قصص تخص الانبياء بينت ابتلائهم باقوامهم ومدى معاناتهم في مراحل الدعوة وما جرى لهم نجدهم اشد الناس بلاءً، قال تعالى: (فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنا، وفي موضع آخر قال تعالى: (قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ ع وعليه نبين الآتي:-
أقوال وشواهد
أوّلًا: شذرات من القرآن الكريم وقصص المرسلين
إنّ ابتلاء الأنبياء والرسل بأقوامهم، هو من حقائق التاريخ البشريّ، إذ عانوا جميعًا من تكذيب أقوامهم، ومحاربتهم، وقلّة ناصريهم، ومن الشواهد القرآنيّة على ذلك:
قوله تعالى: ﴿ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ﴾.
قوله تعالى: ﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾.
نوح عليه السلام ابتلاه الله ابتلاءً عظيمًا، فقد ابتلي بقومٍ ظلّ يدعوهم ألف سنة إلّا خمسين عامًا ولم يستجيبوا له، رغم ما بذله من جهد: ﴿قال رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا﴾، مما يصوّر بدقة شدّة المحنة التي وصل إليها رغم حرصه عليهم.
هود عليه السلام.. ابتلي في الدعوة فقد ظلّ يدعو قومه، ولم يلق إلّا السخرية والتكذيب والإعراض والطرد، فتدخلت قدرة الله تعالى، فأخذتهم بالعذاب.
صالح عليه السلام.. ابتلي بقومه ورغم أنّهم سألوه آية، فكانت الناقة العظيمة إلّا أنّهم نحروها.
إبراهيم عليه السلام صبر على إيذاء قومه له حتّى رموه في النار، قال تعالى: ﴿قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنتُمْ فَاعِلِينَ قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمْ الأَخْسَرِينَ﴾.
موسىعليه السلام.. أكثر الأنبياء معاناة من قومه المؤمنين، قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ الله قُلُوبَهُمْ وَالله لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾. فقد تعاملوا معه بنفوسٍ ملتوية، وبمواقف متخاذلة، وناكثة للعهود؛ ﴿ثمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآَيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ﴾.
عيسىعليه السلام.. ابتلاه الله ببني إسرائيل رغم الآيات المذهلة، حتى بلغ بهم الأمر إلى أن يخونوه، ويدلّوا الرومان عليه؛ ليقتلوه.
ثانياً: شواهد تاريخية
فإن نهزم فهزامون قدما |
|
وإن نهزم فغير مهزمينا |
وما إن طبنا جبن ولكن |
|
منايانا وطعمة آخرينا |
الأستاذ عبد الأمير القرشي
باحث إسلامي