ميثم التمّار.. التعالي فوق القوميات
بقلم/ محمد طهمازي
ما الذي أوصل رجلاً بسيطًا فقيرَ الحال من مهمّشي كوفة ذلك الزمان كان مملوكاً لامرأة من بني أسد اشتراه أمير المؤمنين عليه السلام وأعتقه ليكون بعدها من أقرب المقرّبين لسيد الأوصياء وليبوح له بأسرار الابتلاءات والآجال وغيبيات الوصيّة ثم يكون لسان الشيعة الناطق بالحق والموالاة لآل النبي!
إن ميثم التمّار هو عدسة مكبّرة تُسَلّط الضوء على أوجه مهمّة من نظريّة الإمام علي عليه السلام في الحياة والناس وأهمها ذاك السبق والقدوة في رفضه العملي لا الشعاراتي لأي تفرقة بين الأعراق فهو يقيّم الإنسان وفق عمله وسلوكه لا وفق انتماءه القومي أو الديني أو وضعه الاقتصادي وهذا يتجلّى من نظرة فاحصة لتركيبة المجموعة المحيطة بالإمام والتي شكّلت طيفًا متنوِّعًا، وهو يجعل من الإمام علي القرآن الناطق بحق فهو يجسِّد كلام الله على أرض الواقع "إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ" سورة الحجرات:13.
وهناك مشهد قد لا يلتفت إلى معناه الكثيرون يحمل دلالات عميقة تكشف عن جوانب لم يتم التركيز عليها في فلسفة علي بن أبي طالب عليه السلام، ذاك يوم أعتق أمير المؤمنين ميثم وسأله عن اسمه فقال: سالم.
قال الإمام: أخبرني رسول الله صلى الله عليه وآله أن اسمك الذي سماك به أبواك في العجم ميثم!
قال: صدق الله ورسوله وأمير المؤمنين والله إنه لاسمي.
قال الإمام: فارجع إلى اسمك!
في قلبِ بيئةٍ تحكمها العقليّة العصبيّة التي تقاوم بشدّة أخلاقيات الإسلام ومشروعه الإنساني العالمي نجد الإمام علي عليه السلام يفيض احترامًا وتقديرًا غير مسبوق لثقافات الشعوب الأخرى ولمسمياتها التي ترتبط ببنيتها اللغوية والتراثية والاجتماعية وهو ينقض ما أًشيع ورسّخ في أذهان عامة الناس من المسلمين وحتى نخبتهم العلمية والدينية وانطبع في فهم الناس من الأمم الأخرى غير المسلمة بكون رسالة النبي صلوات عليه وآله تمحو ثقافات الأمم الأخرى ومسمياتها وتُسْقِط هوياتها الوطنية والثقافية وأكثر من ذلك فهي جاءت لتدمير كل منجزات حضاراتها تحديدًا ويتوارى خلف الكواليس حديث الرسول العظيم "إنّما بُعِثتُ لأتمّم مكارم الأخلاق" أي أن هنالك منظومة أخلاقية كانت قبل الرسول لكنها غير مكتملة بالشكل الذي يريده الله تعالى. لقد جسَّدت المنظمات الإرهابية هذه الصورة المشوّهة والبشعة كما شاهدنا على شاشات الفضائيات.
لقد كان الجانب العنصري هو المحرّك الخفي لتعاطي السلطة الأمويّة في قضيَّة ميثم التمّار إضافة للعداء لكل من يَمُتُّ لأمير المؤمنين بصلة وكان تنكيلها به يفضح ذلك ويعيد أمامنا مشاهد الممارسات العنصرية في التعذيب والقتل الوحشي التي ارتُكِبَت وتُرْتَكَب ولا يجد مُرْتَكِبوها مبرّرات سوى لغة التمييز العرقي التي تعبر عن همجيتهم وهشاشة بنيتهم الأخلاقيّة والمعرفيّة وتراجعهم بالمجتمع والدولة لما بعد المربع صفر في الحضارة الإنسانية.
صُلِبَ ميثم ليومين على جذع نخلته التي كان قد حددها له أمير المؤمنين فراح يسقيها ويعتني بها ويكنس المكان ويصلّي تحتها كمن يُعِدّ مركب سفره الأبدي. وكان على صليبه يحدّث الناس بفضائل أهل البيت عليهم السلام فقطعوا لسانه ثم ألجموه ثم طعنوه بحربة لتفيض روحه الطاهرة في الثاني والعشرين من ذي الحجّة عام 60 للهجرة.
سلام على التمّار يوم وُلِدَ ويوم استُشْهِد ويوم يُبْعث حيًّا٠