الكلام في معرفة الخطيب أو المبلّغ الديني، أو عالم الدين للمخاطَب، أو المخاطَبين أو ما يعبر عنه المتلقي ، وهم الذين يسمعون أو يشاهدون الخطيب، وهم هدفه الرئيسي الذي يبتغي الوصول إليه و التأثير عليه.
و مثله بقية المجالات و الأعمال كالمواد التي تعرض في الأذاعة، و التلفزيون، و ما يقدمه مذيع الراديو أو الإعلامي في التلفزيون، أو دعايات التلفزيون التجارية، و ما ينشر في برامج التواصل الاجتماعي، و كذلك اللوحات الإرشادية التي تنتشر في الشوارع، و لوحات الإعلانات، فهدفها جميعا هو أفضل وصول إلى المخاطَب، و السعي للتأثير عليه .
و بالنسبة إلى التبليغ و المبلغ الديني فالأصل في مخاطبيه هو تنوع و تفاوت الناس في مختلف المجالات، التفاوت في العمر و السن، و في اختلاف المجتمعات و تغايرها، و أوضاعها النفسية ، و مستوياتها الفكرية، إلى غيرها من من مجالات التغاير، و عليه فلابد من فهم المتحدث لذلك و مراعاته لحصول أفضل وصول للمخاطَب و تقديم أفضل خطاب له.
و في هذا الزمن فإنّ للحديث قابلية للإنتشار عبر شبكة الانترنت، و وسائل التواصل الاجتماعي بصورة سريعة إلى المخاطَبين المتفاوتين في أوضاعهم وقدراتهم و إن كان موجها ابتداء لفئة معينة أو خاصة و بالتالي اتسعت حدود المخاطَب أو المتلقي.
وضرورة معرفة المخاطَب و إن كانت عقلية و يرشد لها العقل إلا أنّ الشارع المقدس قد دعا إليها ، و في الروايات إشارات و إرشادات متعددة و واضحة إلى الانتباه إلى ذلك المعنى، و مراعاة وضع المخاطَب و قدره وقدرته و مستواه العلمي، ففي الحديث عن رسول الله صلّى الله عليه و آله «إِنَّا مَعَاشِرَ اَلْأَنْبِيَاءِ أُمِرْنَا أَنْ نُكَلِّمَ اَلنَّاسَ عَلَى قَدْرِ عُقُولِهِمْ»[1].
و في الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام « مَا كَلَّمَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ اَلْعِبَادَ بِكُنْهِ عَقْلِهِ قَطُّ »[2].
بمعنى أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله كلّم المخاطبين أو المتلقين بقدر مستواهم الإدراكي و استيعابهم الفهمي و وعيهم و عقولهم.
و كذلك قد يفهم هذا المعنى من إطلاق الحديث عن رسول الله صلى الله عليه و آله القائل «اِنْزِلِ اَلنَّاسَ مَنَازِلَهُمْ»[3].
و في نهج البلاغة روي عن أمير المؤمنين عليه السلام «إنَّ هاهُنا - وأَشارَ بِيَدِهِ إلى صَدرِهِ - لَعِلما جَمّا ، لَو أصَبتُ لَهُ حَمَلَةً»[4]، بمعنى أنّ الإمام عليه السلام لا يخرج من العلم ما هو فوق طاقة مخاطبيه و مستواهم الإدراكي و العلمي و عقولهم فيقتصر على ما يمكنه أن تستوعبه قدرتهم، و بمقدار من العلم يصيب به حَمَلَة و ليس كل العلم.
و لعل رواية أمير المؤمنين عليه السلام تشير إلى اختلاف المخاطَب في تلقي المعلومات حين قال عليه السلام :«إِنَّ هَذِهِ الْقُلُوبَ أَوْعِيَةٌ فَخَيْرُهَا أَوْعَاهَا .... »[5] ، القلوب متعددة كالأوعية المتعددة تختلف في سعتها و إمكانياتها و خيرها ، و أحسنها أكثرها إدراكا و سعة للعلوم.
و الانتباه إلى المستويات المتعددة للناس ، مستمعين، و مشاهدين، و إن كانت من الأمور العقلية التي هي مورد انتباه عادة و لكنها في نفس الوقت تحتاج إلى تنمية و إرشاد و التركيز في جزئياتها لأنّها من الأهمية بمكان للمتحدث، و جزئيات معرفة المخاطَب هي التي تحدد نوعية الخطاب للمتحدث، و اختيار الموضوع المناسب، وهو أحد مهارات الخطابة و التبليغ، و مراعاتها يساعد على التوفيق في التبليغ.
و أحد أوجه الاختلاف و التعدد في المخاطَبين الذي ينبغي على المتحدث و الخطيب الانتباه له هو المستوى العلمي ، و مستوى القابليات الذهنية للمخاطَبين، و الناس تختلف في قدراتهم العلمية وليسوا سواء، و في نهج البلاغة «النَّاسُ ثَلَاثَةٌ : فَعَالِمٌ رَبَّانِيٌّ ، وَ مُتَعَلِّمٌ عَلَى سَبِيلِ نَجَاةٍ ، وَ هَمَجٌ رَعَاعٌ أَتْبَاعُ كُلِّ نَاعِقٍ، يَمِيلُونَ مَعَ كُلِّ رِيحٍ، لَمْ يَسْتَضِيئُوا بِنُورِ الْعِلْمِ، وَ لَمْ يَلْجَئُوا إِلَى رُكْنٍ وَثِيقٍ»[6].
و لا شك أنّ الحديث مع طلبة الإعدادية يختلف عن الحديث مع طلبة الجامعات أو أساتذة الجامعات، يختلف في نوعية الحديث و طريقة عرضه و تسلسله و مادته.
ولكن قد يتفق للمبلّغ بعض التجمعات التي يضيق فيها التفاوت، و يتقارب فيها المستوى العلمي، مثل أن يحاضر مبلّغ في جامعة و لطلاب جامعيين في تخصصه و تخصصهم المشترك في أحد فروع الدراسة الإسلامية.
و من تلك المجالات و الجوانب معرفة الجانب الفكري للمخاطَب ، و المشارب الفكرية للمخاطَبين، و مدارسهم الفكرية، و يتحدد عليه طرح موضوع المتحدث و طريقة العرض.
هذا التفاوت الفكري في المستوى يعني انّ فكرة ما قد تكون مفيدة لبعض التجمعات و المجتمعات و الأشخاص ولكنها غير مجدية لمجتمعات أخرى و أشخاص آخرين، تبعا لمدارسهم الفكرية و مستوياتهم المختلفة و المتعددة. و قد روي في الحديث عنهم عليهم السلام: « مَا كُلُّ مَا يُعْلَمُ يُقَالُ، وَ لاَ كُلُّ مَا يُقَالُ حَانَ وَقْتُهُ، وَ لاَ كُلُّ مَا حَانَ وَقْتُهُ حَضَرَ أَهْلُهُ»[7].
و من أحد أهم الأمور للمتحدث أو الخطيب هو معرفة أعمار المخاطَبين أو المتلقين فإنّ أعمارهم مهمة في تحديد الموضوع و طريقة طرحه، بما يناسب اهتماماتهم و الأفكار في زمانهم.
و صغار السنّ و الفتية قلوبهم أكثر استقبالا للمعلومات و أكثر تلقيا للخطاب كما في وصية أمير المؤمنين لإبنه الحسن عليهما السلام، قال عليه السلام «إنَّما قَلبُ الحَدَثِ كَالأَرضِ الخالِيَةِ ، ما اُلقِيَ فيها مِن شَيءٍ قَبِلَتهُ»[8] ، و في الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام «عَلَيْكَ بِالْأَحْدَاثِ فَإِنَّهُمْ أَسْرَعُ إِلَى كُلِّ خَيْرٍ»[9].
و الحديث مع فئة الفتية و الشباب يحتاج عناية في التفهيم، فكثير من شباب المسلمين في الغرب مثلا و نتيجة للبيئة و المحيط الاجتماعي لا يفقهون كلام المبلغ بصورة جيدة، و يحتاج المبلغين و علماء الدين للنزول إلى مستويات تلك الفئة في الطرح و نوعيته بما لا يخل بالمعنى و الهدف المقصود من المتحدث و الحديث.
كما هو ضروري الانتباه إلى أدوات العصر و فهمه بصورة جيدة، و الانتباه إلى أنّ أعدادا من المخاطبين غارقا في برامج التواصل الاجتماعي، و يقضي بعضهم معها أوقات كثيرة.
و أما الحديث لفئة كبار السن و أهل الخبرة في الحياة ، فإنه يحتاج إلى مزيد من العناية.
ومن معرفة المخاطَبين أيضا معرفة اللغة التي يفهمها و يتقنها المخاطَبون و يتحدثون بها و اللهجة الخاصة بهم التي يفضّلونها أو الخاصة بمنطقتهم، قال الله تعالى « وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ۖ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ»[10]، و في رواية النبي صلى الله عليه وآله «لم يَبعَثِ اللَّهُ عَزَّوجلَّ نَبيّاً إلّابِلُغَةِ قَومِهِ»[11].
و هذا يعني النظر بجدية أكثر إلى المبلغين بلسان قوم مناطقهم، باللغة و اللهجة و الحركات، و فصاحة و بلاغة المتحدث بلسانهم و بلغتهم و بلهجة منطقتهم.
وفي هذا ممكن ملاحظة أنّ بعض الكلمات عند المخاطبين أو جمهور الحضور تعطي معنى آخر غير المعنى الحقيقي الذي وضعت له، و قد تكون بعض الكلمات متعددة المعنى ولكنها تنصرف عند بعض المخاطبين إلى معنى سلبي، و استعمالها من قبل الخطيب يوجب السخرية أو الغضب أحيانا ، و هذه تحتاج إلى معرفة أكبر بالمجتمع الذي يحاضر فيه الخطيب أو المحاضر.
و من تلك المجالات و الجوانب المهمة في معرفة المخاطَب أو المتلقي معرفة الوضع النفسي للمخاطبين، إذا استطاع المبلغ أو المحاضر لمعرفة إجمالية للأجواء النفسية للمخاطبين أو الحضور ، فذلك يساعده كثيرا على توصيل المعاني، و يلزم المحاضر الانتباه إلى احترام مشاعر الجمهور ، وعدم الاصطدام مع أحاسيس و مشاعر المخاطبين، و لا شك أنّ الخطبة في المسجد تختلف عن الخطبة في المستشفى لمجموعة من المرضى، و عن الزيارات التبليغية للسجون.
وبشكل عام أنّ المخاطبين أو الجمهور متعددي الأفكار و السلوك والمستويات وهذا ما ينبغي مراعاته عند المتحدث، فينبغي الحذر مما يعتبر توهينا أو إهانة أو تسخيفا للمخاطبين أو تكتلاتهم الاجتماعية أو السياسية ، بل ينبغي احترام المخاطبين و مداراتهم، و إن أراد المتحدث فالسعي في إقناعهم دون تشدد و تصلّب.
و منها الجانب الاجتماعي ، فالخطيب الواعي يملك معلومات أولية عن المجتمع الذي يخاطبه، و مشاكله، و همومه، و هو بحاجة إلى طرح تلك الهموم و محاولة علاجها أو إشارات منه في طرق حل المشاكل بطور كلي و دون تشخيص تلافيا للإحراج و لمزيد من الخلافات ، و على الخطيب الابتعاد عمّا يثير الفتن، و يوسع الخلافات في المجتمع.
وفي هذا من المناسب للمتحدث استعمال أمور تخص المجتمع و تاريخه و ثقافته و تراثه ، فإنّها توثق العلاقة بين المتحدث و المخاطَبين أصحاب الشأن هذا.
وقد يتعرض إلى أسئلة من تداول المجتمع و مشكلاته، و قد يكون بعضها استدراج لأفكار مسبقة يريد السائل طرحها ، أو استفزاز أطراف أخرى بها، فمعرفة المجتمع قد تعطي المحاضر أو الخطيب فهما أوسعا و تجنبه بعض الاحراجات و الصعوبات.
و ينبغي الانتباه إلى بعض التجمعات و الأماكن التي تتهيأ للإيقاع بالخطيب أو استدراجه و المحاججة معه في بعض الأمور، ذلك نادر و لكنه قد يحصل.
ومنها معرفة الخلفيات الثقافية عامة للمخاطَبين و بيئتهم الاجتماعية و أوضاعهم المعيشية، فالإحاطة بهذه الجوانب تعطي المتحدث دقة في نوعية الموضوع و أهمية المطروح فموضوع العلوم و المعارف الإسلامية له أصحابه، و ردّ الشبهات و الأفكار المنحرفة له موقعه في مكان آخر، و الحوار مع الشباب في هذا الزمن له خصائصه أيضا ، و دروس و كتب الفقه و المسائل الشرعية لها مجالها و جمهورها و موقعها ، و ثواب العبادات لها أصحابها و جمهورها.
و كمثال فإنّ المجتمع الذي يفتخر ببلاغته و فصاحته ، لابد للخطيب فيه أن يكون بليغا فصيحا و جاذبا من هذا الجانب للمستمعين أو المخاطَبين، و المجتمع الذي يعاني من الفقر و العوز لا ينتبه إلى تركيز المحاضرات على المعونات و المساعدات خارج حدوده، و المجتمع الذي يتصف بالتعصب و التشدد يحتاج إلى الحذر و الاحتياط في مواضيع الخطيب، فمعرفة ذلك و الانتباه إليه يجنب الخطيب بعض الاحراجات و سوء التفاهم.
و مما ينبغي الانتباه له و مراعاته هو التحدث للمخاطبين كمجتمعات و أفراد بما تحمله عقولهم و تحتمله، و قد تحتاج إلى مقدمات متعددة لطرح بعض المواضيع، و في الرواية عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله «لا تُحَدِّثوا امَّتي مِن أحاديثي إلّا بما تَحْمِلُهُ عُقولُهُم»[12].
وقد يؤدي الحديث و الكلام مما لا تتحمله عقول المخاطبين بنتائج سلبية على المحاضر أو المتحدث أو على المجتمع، أو بتعبير آخر يحدث فتنة اجتماعية، و ردة فعل معاكسة ضد المتحدث ، ففي الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله « ما أنتَ مُحَدِّثٌ حَديثاً لا تَبْلُغُهُ عُقولُهُم إلّاكانَ على بَعْضِهِم فِتْنَةً »[13].
وفي هذا يلزم استعمال نصوص و عبارات تلائم مستوى الحاضرين المخاطبين، دون التكلف الزائد في المصطلحات الخاصة، و الاستعمالات الفريدة في اللغة التي لا يفهمها غالبية الناس ، كما ينبغي النزول إلى مستواهم لتفهيمهم و توصيل الأفكار لهم.
و قد يكون من هذا المجال من الخلفيات الثقافية و الاجتماعية ما كان من الجواب على ثواب زيارة الحسين عليه السلام، فإنّ الجواب الوارد عن الأئمة و الإمام الصادق عليهم السلام يختلف من سائل إلى آخر وهو متعدد الثواب، فهي في الروايات: تعدل حجة مقبولة متقبلة زاكية مع رسول الله (ص) ، تعدل حجة وعمرة، حجتين مبرورتين متقبلتين زاكيتين مع رسول الله (ص)، حج ثلاث حجج مع رسول الله (ص) ، أربع حجج مع رسول الله (ص)، و هي تعدل عشرين حجة ، كتب الله لك اثنتين وعشرين عمرة ، كتب الله لك خمسة وعشرين حجة، ثلاثين حجة مبرورة متقبلة زاكية مع رسول الله (ص)، تعدل خمسين حجة مع رسول الله (ص)، سبعين حجة من حجج رسول الله (ص)، كتب الله له ثمانين حجة مبرورة ، كان كمن حج مائة حجة مع رسول الله ، ثواب ألف حجة مقبولة وألف عمرة مقبولة.
و عدم معرفة الخطيب لمخاطبيه بصورة جيدة قد تؤدي إلى نقيض غرضه ، فغرضه و غايته إفادة المخاطبين ، وعدم معرفته بهم قد تؤدي إلى مآلات سلبية أو مشاكل اجتماعية ، فتكون النتيجة خلاف غرضه.
و من الحسن أن نذكر بعض الملاحظات المهمة التي تتعلق بالمخاطبين، وهي عامة و لكنها قد تتخلف كاستثناء عن بعض الناس ، منها :
1- مدخلية الوقت في فهم المخاطَب، فطول زمن المحاضرة أو المجلس بشكل عام يفقد المخاطَب القدرة القوية على التركيز، و يؤدي به إلى الملل، فهو ينتبه لنصف ساعة بحواسه جيدا ، و لكنه لا ينتبه بصورة جيدة لساعتين من الحديث المتواصل، و لذا فإنّ التوصية هنا بتقليل مدة زمن المتحدث إلى الدرجة التي يتحملها المخاطَب، و من المناسب أن تكون المحاضرة أو المجلس الحسيني في حدود خمس و أربعين إلى خمسين دقيقة، فإذا زاد الوقت عن قدرة تحمّل المخاطَب أصبح الخطيب طاردا للمخاطبين الذين هم هدفه.
قصر مدة الخطابة مفيدة و حسنة للطرفين المتحدث و المخاطَب، و من الطريف أنّ المخاطَبين الذين يعجبهم الخطيب يرضون عنه بالمقدار الزمني القليل المناسب و إن رغبوا في الزيادة، و المخاطَبين غير الراضين لأي سبب كان يقبلون منه لعدم التطويل.
و يمكن أن تكون النقطة المشتركة للمخاطَبين هو قلة الكلام مع فائدته ، فكلما كان الكلام كثييرا كلما أثّر سلبا على المخاطَب و أدى به إلى الملل، و يقول العرب «خير الكلام ما قل و دل» أي أن يكون كلاما مختصرا و لكنه مفيد للمخاطبين، دون تطويل أقل فائدة! و عليه فينبغي الانتباه إلى مدخلية الوقت في فهم المخاطَب.
2- إنّ المخاطَبين في مجالس التبليغ سواء المحاضرات الإسلامية أو المجالس العزائية يتكرر حضورهم و يرغبون عادة في جديد يسمعونه، و يملون من التكرار، فتكرار الموضوع في كل سنة لنفس المخاطَبين مع التغييرات الطفيفة يعتبر أمرا مملا لهم، فالأفضل للخطيب التجديد و التغيير، و كذلك عدم تكرار بعض الموضوعات المكررة لديهم من خطباء سابقين دون إضافة أو لمسات جديدة.
3- المخاطَب لا يرغب في الإسلوب التوبيخي باللوم و التأنيب ، أو إشعاره بالذنوب و التقصير، أو تشخيصه بأمر سلبي أمام الجمهور، فلابد من أصحاب الاسلوب التوبيخي من مراجعة طريقتهم في الكلام ، فهذا الإسلوب يُعتبر منفرا للمخاطَبين أو المستمعين ، فيكون الخطيب قام بنقيض الغرض، وبدل أن يكون جالبا للمخاطَب يصبح منفرا له!.
4- رضا الناس لا يُملك ، هدف الخطيب و المبلّغ إيصال أحكام الدين و مفاهيم الإسلام إلى الناس، وسعيه في إيصال رسالته التبليغية على أكمل وجه بإخلاصه في عمله، و ليس هدفه إرضاء مخاطبيه بغير الحق، و مع هذا فإنّ الخطيب مهما سعى فلن يرضي كل المخاطَبين فذلك مما لا يُملك، وقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام «رضا الناس لا يُملك، وألسنتهم لا تضبط، وكيف تسلمون مما لم يسلم منه أنبياء الله ورسله وحجج الله..»[14]، وقد قيل أنّ «رضا الناس غاية لا تُدرك».
5- جزء من معرفة المخاطَب و جزء من ثقافته و بيئته و مجتمعه يمكن تحصيلها من الاستعلام و الاستفسار قبل الشروع في التحضير للمحاضرة أو المجلس، أجوبة القائمين على المجلس أو بعض جمهوره بأسئلة الخطيب أو المحاضر تفيده في طريقة طرح المناسب لهم من موضوعات، أو مشاكلهم، أو الأفكار التي يتم تتداولها عندهم، حتى تكتمل عند الخطيب الصورة و يطرح ما يناسبهم و أكثر فائدة لهم.
6- يحتاج المبلّغ و المحاضر عامة لمعرفة أوسع عن المخاطَبين، و يمكن أن يأخذ المبلغين و المحاضرين الشباب ضمن دروس المدارس دورات تخصصية قصيرة في علم الاجتماع و علم النفس من متخصصين في هذه العلوم للارشاد إلى نقاط قوة في المبلّغ و توجه أكبر في دراسة حالات المخاطَبين.
محمد جواد الدمستاني
5 شعبان 1444هـ. ق.
الموافق لــ 26-02-2023م
المصادر
[1] - الأمالی (للصدوق) ، ج۱ ، ص 4۱۸
[2] - الأمالی (للصدوق) ، ج۱ ، ص 4۱۸
[3] - الأمالی (للصدوق) ، ج۱ ، ص ۲۷۳
[4] - نهج البلاغة – حكمة 147
[5] - نهج البلاغة – حكمة 147
[6] - نهج البلاغة – حكمة 147
[7] - بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٥٣ - ص ١١٥ ، مختصر بصائر الدرجات، حسن بن سليمان الحلي، ص ٢١٢
[8] - نهج البلاغة – كتاب 31 (وصية الإمام أمير المؤمنين عليه السلام لإبنه الإمام الحسن عليه السلام)
[9] - الکافي ، الكليني ، ج ۸ ، ص ۹۳
[10] - سورة إبراهيم – آية 4
[11] - كنز العمال، المتقي الهندي ، ج ١١، ص ٤٧٤
[12] - كنز العمال ، المتقي الهندي ، ج ١٠، ص ٢٤٢
[13] - كنز العمال ، المتقي الهندي، ج ١٠، ص ١٩٢
[14] - وسائل الشیعة إلی تحصیل مسائل الشریعة ، الحر العاملي، ج 27 ، ص 396