بقلم/ محمد طهمازي
(رمزية الحصان في الملحمة الكربلائية)
في البداية لا بد لنا من لمحات تاريخية بما يشبه المقدّمة التي تعطينا بعض الإلمام برمزية الحصان في عهود سابقة للحدث التاريخي في كربلاء ولحضارات قامت على ذات المنطقة الجغرافية أو قريبًا منها لنفهم كيف يتعاطى الانسان قبل الفنان مع رمزية أو رموز الحدث ومن أين يأتي بمفرداته وكيف تُخلق في وعيه ولا وعيه وأين هي الملحمة الكربلائية من كل ذلك..
لقد ارتبط الحصان في الأساطير والأديان والتراث الشعبي, وانعكس ذلك من خلال الفن والأدب, برمزيات مختلفة المعاني والدلالات لكنها تجتمع على نقطة واحدة هي أنها جميعًا تتمحور حول رؤى لما وراء الواقع المادي. لعب هذا الكائن الجميل العديد من الأدوار السحرية في جميع الأزمنة على مساحة العالم حيث كان البشر دائمًا ما يتواصلون معه بشكل روحي, لارتباطه بحياتهم في حلّهم وترحالهم والأكثر في قتالهم الذي كان صراعًا من أجل البقاء, الأمر الذي جعله من بين أكثر الحيوانات توظيفًا رمزيًا في التاريخ البشري!
تتنقّل صور الحصان من بيغاسوس وهو الحصان المجنح الذي انبثق من دم "ميدوزا" الآلهة التي تنبت من رأسها مئات الأفاعي عندما قطع رأسها برسيوس لتصل الأسطورة بأن يأخذ زيوس كبير الآلهة بيغاسوس إلى جبل الأولمب في أثينا اليونان، ليتحول في النهاية إلى برج للنجوم في سموات الكون.. بعدها تأتينا صورة "القنطور" حسب ما تقول الأسطورة الاغريقية انه ولد من إكسيون ابن آلهة الحرب آريس.. يمتلك هذا المخلوق النصف العلوي من جسد الانسان مركبًا على جسد لحصان وفي قصص أخرى تمتلك قروناً أو أجنحة أو الاثنين معا.. ويظهر الحصان في ملاحم هوميروس، في شكل حصان طروادة الذي استخدمه اليونانيون لاقتحام أسوار طروادة المنيعة في ملحمة "الإلياذة".
وهناك روايات عن وجود حصان وحيد القرن في المنطقة العربية.. حيث أشار الرحالة اليوناني فيرتومانوس أثناء تجواله بمنطقة شبه الجزيرة العربية عام 1503 بأن العرب يملكون تراثاً ضخماً عن هذا المخلوق، وهذا يعود بنا لما قاله أبو التاريخ هيرودوتس الاغريقي، حيث يروي الأخير بأنه رأى مثل هذا المخلوق في ليبيا. وتحكي بعض الروايات وجوده بين جنوب مصر وأثيوبيا، وأن هذا الكائن شديد الشراسة، والإمساك به ضرب من المستحيل.
إن الصورة الأسطورية للأحصنة المجنحة والتي تتشابه كثيراً مع صور بيغاسوس في الميثولوجيا اليونانية القديمة كان لها الأثر الكبير في الأساطير العربية قبل ظهور الإسلام، حيث ورد في بعض الدراسات الحديثة أن الأطفال العرب في ذلك الزمان قد اعتادوا على اللعب ببعض الدمى المنحوتة على هيئة أحصنة مجنحة.
يتبع ...