بقلم/ محمد طهمازي
(الفن وتعبيرية الملحمة الكربلائية)
يُعرّف الفن في خلاصة معانيه على أنه نتاج خطابي من العقل إلى العقل يتخذ مساره عبر الحواس لذلك قد يكون من الأكثر منطقية تصنيف ”الفن” على أنه ينتمي لمنطقة الحواس. ومن هنا كان اللجوء صوب الجانب التعبيري في تقديم الأعمال الفنية التي تتناول الملحمة الكربلائية كونها مادة تقطن في منطقة الشحن العاطفي الشعبي, لكن هذا الأمر يخضع لإشكالية كبيرة تعرّض هذا التناول لحالة من تناقض الرؤى والأهداف بين منتج العمل الفني وبين الفكرة الحسينية ككيان مبنيّ على حجم ليس بهين من الاستقلالية.. والجمع بين الخطين آنفي الذكر ينسحب على البنائية الأخلاقية التي قامت عليها قضية الحسين الشهيد, وأقول الأخلاقية لأنها لا يجب أن تخضع للمزاجيات الفردية فتنجر إلى ميادين لا علاقة لها بها أو تتعرض للتشويه وبالتالي طمس الفكرة الأصلية والأصيلة لنهضة الإمام الحسين..
إن التعبيرية أسلوب فنيٌّ يسعى عبره الفنان إلى طرح الواقع الموضوعي والعاطفي وملامح الاستجابات الذاتية التي تثيرها الأحداث في نفسه.. ويعمل الفنان لتحقيق هذا الهدف من خلال إعطاء قدر كبير من المبالغة، والطرح الفطري الساذج، وأحيانًا الخيال ومن خلال الاستعراض الواقعي أو العنيف موظفًا الفعل الديناميكي للعناصر الشكلية لإحداث وإيصال أقصى ما يمكن من التأثير في مشاعر المتلقّين, لربما من باب الغاية تبرّر الوسيلة في تصوّره.. بيد أن المدرسة التعبيرية ستكون قاصرة في هذه الحالة لأن من صفاتها التعبير الممعن في الذاتية، وإن اتخذت المسحة العفوية لكنها تبقى تدور في المساحة الفنية الشخصية المكثّفة.. وفق قول الفنان الفرنسي هنري ماتيس في نصه المنشور بباريس عام 1908"التعبير هو ما أهدف إليه قبل كل شيء.. فأنا لا يمكنني الفصل بين الإحساس الذي أكنه للحياة وبين طريقتي في التعبير عنه. التعبير وفق طراز تفكيري الشخصي لا يتضمن العاطفة المرتسمة على وجه الانسان, أو تلك التي تكشفها حركة عنيفة..", فيما الحدث الحسيني الذي نتعاطى معه يتخذ الصفة الإنسانية العامة وليس الصفة الذاتية الخاصة.. إنه استلهام روحي يقوم على ركائز أخلاقية وقيم معنويّة تتنكّر للذاتية والأنانية وتنفتح على قيم الوجود كله, لهذا لم يتحدّد خطابها في مكان معين ولم ينحصر تأثيرها في دين أو طائفة أو قومية محدّدة, وبالتالي لا يجب التعاطي معها وفق نظرة ضيّقة!
يتبع....