د.أمل الأسدي
جامعة بغداد
إنّ الساحة الإسلامية والعربية تعاني من شحة الأعمال الفنية التي تخاطب الآخر وتؤثر فيه، الأعمال التي تخاطب شعوب العالم وتعرّفهم برموزنا الإسلامية والإنسانية،ومع هذه الشحة وعدم الاهتمام بالإنتاج الفني نجد عملا فنياضخما ورائعا وهو وأنشودة "علي إمام العالمين" فالذي يميز هذا العمل هو فكرته الفريدة ،إذ يتكون من ستة مقاطع شعرية،بست لغات مختلفة، يبدأ بالمقطع العربي وينتهي به أيضا،وهذا العمل فكرة الدكتور علي المؤمن وإشرافه،وأداء فرقة الخورنق الفنية،وألحان: مجتبی مينوتن،وتصميم الملابس:سحر سالاروند، ومدير الانتاج:ميثم حاتم ،وأداء: فرقة الخورنق الفنية، أما لغات الأنشودة فهي(العربية،الكردية،الفارسية،التركية،الإنكليزية، الفرنسية) ويشكل هذا العمل وحدات فنية مكثفة لبيان فضائل الإمام علي بن أبي طالب(ع) وصفاته الإنسانية وتأريخه ومكانته ودوره،ففي المقطع الأول(العربي) كان التركيز علی مكانة الإمام علي في القرآن الكريم وعلاقته برسول الله الأعظم التي منحته خصوصية وتفردا دونا عن غيره:
اسمك القدسيُّ معناه الجلال
أيها الأفق الموشّی بالجمال
أيها النفس التي ترقی المحال
يبتدي منك النماء... أنت معراج الضياء
يا عظيما في الدهور... حولك الحق يدور
أنتَ نفسُ المصطفی يكفيكَ ذاك
مــن جنــان الخلد زهـــراءً حباك
منكَ سـبطاه هما نجما سـماك
أنتَ ياعين الخلود.... كهف أيتام الوجود
أنت ميزان العصور.... حولك الحق يدور
وبما أن هذا المقطع باللغة العربية؛فقد حمل إشارات تخاطب المتلقي العربي المسلم بالدرجة الأولی،المتلقي الذي سمع وعلم وعرف بآية المباهلة التي بينت مكانة الإمام(علي بن أبي طالب) وهي:(فَمَنْ حَآجّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَآءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ وَ نِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ)(١) ،وعلم أيضا بأن اختيار الزهراء(ع) كان أمرا إلهيا،ليكون هذا الزواج امتدادا للرسالة ومنبعا لرجالاتها،فالإمام علي والد سبطي الرسول،والإمام علي المركز الذي يدور حوله الحق أينما دار بحسب حديث رسول الله الأعظم:(علي مع الحق والحق مع علي، يدور معه حيثما دار)(٢) ،المتلقي العربي الذي علم باختيار اسم علي بن أبي طالب ومشهد ولادته المعجز،هذا المشهد الذي ابتدأ منه منهج الإنسانية التامة والجمال المطلق وكل القيم الأخلاقية التي تليق بالإنسان بوصفه خليفة الله تعالی،بهذا التكثيف الشديد وضع الشاعر د.عادل البصيصي هذا المقطع كمفتاح مؤثر يشد المتلقي ويدعوه لإتمام مشاهدة العمل ومتابعته.
ـ أما المقطع الثاني فهو المقطع الكردي، وهو لـ "هيبة الله سيدي مرادي"وفيه تتصاعد الموسيقی وتنتقل من فخامة المقطع الأول إلی تحليقة سريعة وبالزي الكردي،لتتغنی بأعمال الإمام علي ومعاجزه البطولية:
"يا فاتح خيبر... ياصاحب ذي الفقار
قاتل الكفار .... حيدر الكرار
كان سعيه للدين... حتی آخر أنفاسه
وأخيرا شرب جرعة الشهادة في المسجد
بذل كل عمره لخدمة الإسلام
وفي سبيل إعلاء راية الدين لم يقصر بتاتا!
فإذا ترفرف راية الإسلام في كل مكان باعتزاز
فلم يكن سبب ذلك سوی مساعي هذا الفتی! "
فنلاحظ كيف تم التركيز علی شجاعة الإمام وإمكانية سيفه (ذو الفقار)وأن كل ما قام به هو من أجل الإسلام وحسب!! وأنه بذلك كان صاحب الفضل في استمرارية الرسالة إلی عصرنا الراهن.
ـ أما المقطع الثالث (الفارسي)وهو لملحن العمل نفسه"مجتبی مينوتن" فتهدأ الموسيقی فيه وتعود للفخامة التي تتلاءم مع المعنی المراد تصويره:
"علي فتی الفتيان،ذو السيرة الحسنة
هو الذي حبه يفتح طريق الجنان
هو صاحب ليالي العبادة والقيام
وهو الذي وهب الدر في صلاته للسائل
هو كريم ليس رياء ولا ادعاء!
وكانت يده مظلة علی الأيتام
هو الذي أصبح خليفة النبي
وهو سر وترجمان آية( أكملتُ لكم دينكم)"
وهنا تم التكثيف لوصف علاقة الإمام علي بربه،فهو ذلك العابد الذي أدمن الليلُ صوته المتهجد،وأدمن وقع أقدامه وهو يزور بيوت الفقراء،زيارة الملاك الذي يترك الأثر ولايُشعِر به أحدا !! وبهذه الصفات،وبهذه النفس الكريمة التي لم تتردد عن فعل الخير والإنفاق حتی في طقوسها العبادية(إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)(٣) ،بهذه كلها كان سر المعنی،ومعنی السر في إتمام الرسالة السماوية، إذ عبّر الله تعالی عن ذلك في قوله:(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)(٤)
ـ أما المقطع الرابع( التركي) فهو لـلشاعر" عيسی قاسم بور"وتشعر وأنت تشاهده بأنه مرتكز العمل،ففيه روحية عالية قدمها الشعر مع الموسيقی المؤثرة،ليعبر عن موجبات محبة الإمام علي،ورمزيته الإنسانية والإسلامية التي جعلته في هذه المنزلة:
"اسمك المضيء يزين صدورنا
ومدينتك عاصمة سامية للمسلمين
أنت رمز الشجاعة والعدالة
وأنت رمز الهداية للإنس والجن
أنت دائما مع الحق ياعلي
والحق معك دوما ياعلي"
واللطيف في هذا المقطع أنه يخاطب الإمام مباشرة(اسمك ،مدينتكَ،أنتَ،أنتَ،أنتَ،معك،ياعلي، ياعلي) وهذا ما جعل من المقطع مشهدا مؤثرا يهز الوجدان،ويحرك العواطف ويستحضر الوجود العلوي،وكأننا في لحظة سمو ولقاء عرفاني ممزوج بعبرة!
ـ أما المقطع الانكليزي فمعه تغيرت وتيرة الموسيقی وتصاعدت بشكل خفيف وسريع يتلاءم مع موضوعة ولادة الإمام علي في الكعبة المشرفة والاحتفاء بها:
" ضياء السماوات هو الذي وُلد في الكعبة
صوت العدالة وبطل الحروب
صاحب النبي ومساعده ومناصره دائما
الرحيم الحنون علی الأيتام في كل مكان
علي،علي ،علي
باب مدينة العلم ووصي الرسول
شخص مليء بالفخر والشجاعة
هو بطل غزوة أحد
صاحب النبي ومساعده ومناصره دائما
علي علي علي"
فقد أراد الشاعر(Pedram) أن يتغنی بأبرز صفات الإمام علي وخصائصه المشهورة وأولها ولادته في الكعبة المشرفة، ثم عدالته التي تغلبت وبقيت موافقة لصورته وسيرته علی الرغم من أنه قائد عسكري،وبطل صنديد،وسيفه لايُفل! فهو الناصر لرسول الله،الناصر الذي فداه بروحه،ورافقه في مسيرته،وهو صوت الإنسانية الخالد الذي يعكس الرحمة والمحبة، هو علي!
وكررها ثلاث مرات تكرار المستيقن الذي يؤكد أن هذه الخصصائص للإمام علي وحسب!
ثم يشير إلی الحديث المشهور وهو ((أنا مدينة العلم، وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب)) (٥)
نعم.. فهو ذلك البطل الذي أمدّ رسول الله(صلی الله عليه وآله) في أحد،ففداه بنفسه حين حمي الوطيس واشتد الأمر علی رسول الله وكُسرت رباعيته وشُقت شفته وجُرح في جبهته،وحينها طلب المدد من الله،فكان علي هو المدد،وبعد عودتهم من المعركة أعطی رسول الله سيفه لفاطمة الزهراء كي تغسله،وأعطاها الإمام علي سيفه أيضا وهو ينشد:(٦)
أَفَاطِمُ هَاك السَّيْفُ غَيْرُ ذَمِيمِ
فَلَسْتُ بِرِعْدِيدٍ وَلا بِمُلِيمِ
لَعَمْرِي لَقَدْ قَاتَلْتُ فِي حُبِّ أَحْمَدَ
وَطَاعَةِ رَبٍّ بِالْعِبَادِ رَحِيمِ
وسيفي بكفى كالشهاب أهزه
اجذبه مِنْ عَاتِقٍ وَصَمِيمِ
فَمَا زِلْتُ حَتَّى فَضَّ رَبِّي جُمُوعَهُمْ
وَحَتَّى شَفَيْنَا نَفْسَ كُلِّ حَلِيمِ
ـ أما المقطع السادس( الفرنسي) وهو للشاعر نفسه (Pedram) فجاء ليدعم المقطع السابق ويتممه:
"مولود مقدس رجل العدالة
رمز الطهارة والصفاء
مولی المؤمنين بطل الحروب
سند الأيتام ومأوی العاجزين والمساكين
آية الإسلام للأبد!
فهذا الرجل قد حظي بولادة مقدسة ،جعلته رمز الطهارة والنقاء، فهو أمير المؤمنين،وهو القائد الأوحد ،وكأن الشاعر يريد التأكيد علی قضية اجتماع القيادة العسكرية والبطولة الميدانية مع الرحمة الإنسانية والعطف والمحبة،وهذا الاجتماع جعل (الإمام علي) آية الإسلام الخالدة حتی قيام الساعة.
ثم تنعطف الأنشودة وتعود إلی المقطع الأول(العربي) ليكون ختاما لها،وهي انتقالة موفقة جدا،بينت الوحدة الموضوعية للأنشودة،وجسدت معنی الاجتماع الإنساني في محبة هذه الشخصية العظيمة،انتقالة تُشعِر المتلقي وكأنه قد وصل إلی مبتغاه واكتملت رحلته الجمالية،وهبطت به طائرة المحبة الإلهية،وقد وصل ونفسه مليئة بالسكينة والراحة والتسليم،والفخر والاعتزاز،وصل بمزيجٍ من المشاعر المختلطة( فرحٌ وحزنٌ،ضحكةٌ ودمعةٌ،زهدٌ ورغبةٌ...) فقد اجتمع التعبير الناجح والمعنی السامي مع الموسيقی ليكوّنا لوحةً فنيةمؤثرة، هذا علی الرغم من أن فريق الإخراج قد ثلم الأنشودة وسلبها كثيرا من حيويتها حين جعل التصوير متصحرا،بألوان ترابية باهتة،جعلت الصورة خافتة، مقصرة بإزاء المعنی المُعبَّر عنه بالشعر والموسيقی،فالإنسانية والمحبة والبطولة والرحمة مفردات تحارب التصحر،وتُمدِّن الحياة،ولا أدري ما الذي دفع فريق الإخراج إلی اختيار هذا المكان وبهذه الصورة،مع أنهم اختاروا للعرض أزياء متعددة بحسب الهوية واللغة، ولماذا جعلوا بيئة التصوير هكذا ولم تتغير وتتنوع كتنوع الأزياء واللغات، فرتابة المكان جعلت الصورة والأزياء خافتة كما ذكرنا، فلم تظهر بالشكل الذي يدعم المعنی ويعزز الرسالة،وفي كل الأحوال يظل هذا العمل متفردا،ويبقی تحفة فنيةً،ووسيلة مثلی لخطاب الآخر،فلابد أن تتعرف الشعوب علی رموزنا وقادتنا الإنسانيين،فهم وجه الإسلام الحقيقي،إسلام السلام والمحبة وقبول الآخر،إسلام البناء والتمدن والتحضر،إسلام العدالة والمساواة ونبذ التفرقة.
رابط الأنشودة: هنا
ـــــــــــــــــــــ
١-سورة آل عمران، الآية ٦١
٢- ميزان الحكمة، محمد الريشهري:١ / ١٣٩
٣- سورة المائدة،الآية:٥٥
٤- السورة نفسها،الآية:٣
٥-المستدرك علی الصحيحين،الحاكم النيسابوري:٣ / ١٣٧
٦- تاريخ الرسل والملوك ،الطبري:2 / 533
ليس بالضرورة ان يمثل المقال رأي الموقع ، انما يمثل رأي كاتبه .