د. ايناس عبد الهادي الربيعي
يستمد الإنسان قيمه وأخلاقه والقواعد التي يتعامل بها مع أفراد المجتمع من مصادر عدة متباينة الرؤى، وان كانت الاخلاق تصنف على انها أمر نسبي لعدم وجود معايير وضوابط محددة متفق عليها في المجتمعات المختلفة، الا ان اختلاف تلك القيم والمبادئ لا ينفي وجود ثوابت متفق عليها بين تلك المجتمعات ومن أهمها الدين الذي يعد أول المصادر التشريعية للقيم والاخلاق النبيلة التي جاء بها رسولنا الكريم محمد (صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين) في رسالته السماوية والتي كان مرتكزها مكارم الاخلاق ودعوة الاسلام الى هدم الافكار الرجعية بما تحمل من نبذ الرذائل وجميع المفسدات الاخلاقية وتكريم الفرد وتهذيب أخلاقه وأرشاده الى طريق الحق والسلام ، وكل ذلك عبر هدفين أولها تحديد العلاقة بين الافراد ورسم ملامحها ، وثانيها الدعوة لاعتناق قيم التسامح وأحترام الاخر والابتعاد عن الرذيلة وجميع المفسدات بشتى انواعها ودعونه للارتقاء بنفسه لعوالم الخير بعيدا الشر والرذيلة.
الا ان عصرنا الحالي شهد انحدارا أخلاقيا وقيميا ليصبح الانسان حبيسا لغرائزه باحثا عن المتعة بأي وسيلة منحدر الى الهاوية بلا رادع او وجل ، ليصبح العنف كأقرب مثال هو اللغة السائدة كخطاب في المجتمع ، والذي بات يتخذ وسيلة للتعبير عن رفض الواقع بمختلف مسمياته سواء اللفظي او المادي ، لنشاهد جرائم بشعة في وضح النهار ، ليكون هو المظهر الشائع الذي لم يقتصر على عموم افراد الشعب بل كاد أن يكون صفة ملازمة للطبقة السياسية وحتی لدی الكثير من النخب المثقفة ، لتكون المنابر الاعلامية ساحة لتبادل الشتائم وهتك الاعراض بعيدا عن الحوار العقلاني والبحث عن حلول للمشاكل السياسية والاقتصادية،ليكون المجتمع مسرحا لكافة المظاهر السلبية الضاربة للقيم النبيلة عرض الحائط ، لتكون الانتهازية هي الطبع الغلب عند البشر ،والمصالح الذاتية هي الاولى ، والبحث عن أسهل الطرق للنجاح دون اجتهاد هي المعول عليه للحصول على المغانم بلا تعب ، وذلك لسيطرة الغريزة على الفرد وطمس المعالم العقلانية في سلوكه اليومي ، وعند البحث في المسببات نجد ان السبب الرئيس في ذلك فقدان الاسرة لرمزيتها داخل المجتمع ، فبعد ان كانت المدرسة الاولى وحاضنة الفرد تعرضت للتفكك المادي والمعنوي ساهمت بذلك التكنلوجيا الحديثة بقدر كبير في ذلك ، فبد ان كان الاب القدوة والملهم لصغاره قل أحترامهم له ، وأصبح الابناء خارج السيطرة الابوية ليكون الشارع هو البديل كحاضن ومربي ، والمقدم لأول الدروس التي يتلقاها الفرد والتي من أسوأها سيكون الغش والرذيلة والانتهازية لنكون امام نتائج كارثية ، فقانون الغاب هو السائد والبقاء للأقوى ، ليكون المثقف بلا قيمة ليكون الوضع قاتما وأكثر بشاعة بتقدم السنين وتواليها، لنكون امام انقلاب قيمي وأخلاقي كان له الدور الاكبر في تدهور التعليم الذي به تبنى الامم.
الامر الذي اثر على القيم الاخلاقية بشكل مباشر لدى افراد المجتمع بشكل عام وعلى الشباب خصوصا وهو ما تسبب بأزمة القيم الاخلاقية ، ليكون السبب عوامل داخلية ترتبط بالبنية الداخلية للمجتمع وهي نتاج لعوامل مادية من مشكلات اقتصادية تواجه الافراد خلال مسيرة حياتهم لتكون حائلا امام تلبية احتياجاتهم الاساسية ليكون الفقر والبطالة وارتفاع الاسعار وانخفاض الدخل وقلة الخدمات احدى وسائل القهر المادي بسبب عجز الافراد عن تدبر امورهم الحياتية وهو ما يؤدي لتشكل انماط سلوكية لا معيارية تتفاقم عبر الزمن ليكون احدى مسببات الانحراف والبحث عن وسائل غير مشروعة لتخطي تلك المعوقات وما ينتج عنها من ضغوط ، أضافة الى ذلك توجد عوامل اخرى كالفساد وعدم المبالاة والفوضى الاخلاقية وزيادة العنف والتطرف احد اهم المسببات لظهور انواع من الجرائم المنظورة وغير المنظورة تضعف المجتمع وتهدم كيانه.
اما العوامل الخارجية فاهمها الثورة العلمية والتقنية التي جعلت العالم اكثر اندماجا بسبب التغيرات الاساسية التي طرأت على الطريقة التي ينظر بها الناس الى انفسهم والى غيرهم وهو ما دفع لعدم الاستقرار في تبني القيم الموروثة وضعف القدرة على الاختيار بين القيم المتضاربة بين الموروث والمكتسب عبر التطور التقني، الامر الذي يظهر الحاجة لتظافر جهود عدة لرسم معالم تربية الفرد ونشأته وتوجيه قيمه الاخلاقية نحو الاصلاح سواء في البيت او المدرسة ودور العبادة ووسائل الاعلام لما لها مجتمعة من دور مهم في مسيرة اصلاح الفرد وتقويم نشأته وإصلاح ما شاب نشأته من انحراف إو شذوذ اخلاقي عن السلوك القويم.
ليس بالضرورة ان يمثل المقال رأي الموقع ، انما يمثل رأي كاتبه . |