03:55 AM | 2017-07-01
2890
سؤال طالما حير البشرية وأتعب عقول الفلاسفة والمفكرين والباحثين عن إشارة تدلهم على الطريق الصحيح. فهناك من بدأ رحلة البحث عن الحقيقة بالنظر لذاته ونفسه، أو بالنظر في محيطه الاجتماعي والإنساني، وآخرين تاهوا في فك أسرار النجوم وطلاسم الفلك والأكوان الواسعة. وبعيداً عن هؤلاء.. تساءلت في نفسي ما هي الحقيقة ؟! ولماذا أسعى إليها بكل شوق وشغف ؟!
أهي ذاك النداء الفطري الذي يخاطب القلب بلغة غير مفهومة، ويسيطر على مشاعري وأحاسيسي؟! أم هو ذاك الصوت المتناغم مع روحي، ويدفعني للمغامرة في طريق الخطر، وهو طريق صعب يتجنبه معظم الناس الراغبين في الراحة والحياة البسيطة.
لن أتكلم هنا بلغة صعبة كلغة المفكرين والفلاسفة حتى لا نضيع وراء أسئلة لا جواب لها، ولكني سأدفع عقلي وروحي لطرح أسئلتي بحثاً عن الجواب.. وعن الحكمة في منطق الأشياء، والغاية من حياة نعيشها وندعيّ جهلاً أو زوراً أننا نعرف أولها وآخرها، ونخدع أنفسنا بتصوير وجودنا في محيط الجنة والنار بمجرد جرة قلم أو هوى قلب، ونحن نجهل موقعنا الحالي في عالم الوجود بحرارته وناره المستعرة هنا وهناك في فضاء واسع جداً.
سأتواضع وأقول بأني لم أجد الحقيقة وهو كذلك فعلاً، ومن يدعيّ الوصول لها قد يكون كاذباً!! لأن الوصول للحقيقة يعني انتفاء لحظة وجود الإنسان في هذه الحياة القصيرة، وان أقصى ما نصل إليه هو القناعة بضعف عقولنا عن إدراك الحقيقة الكاملة والمجردة من أهواءنا وذواتنا.
وللحقيقة وجهان (نورٌ ونار).. نورٌ يقذفه الخالق المعبود في قلب مخلوقه وعبده، إذا أحبه بصدق وأخلص له في السر والعلن. وقد يكون نار تحرق صاحبها إذا تجاوز عمداً حدود مملكة الإرادة البشرية، وخاض بجهله في التصرف بإرادة البشر، وتاه ضياعاً بدون غاية في الحياة.
والحقيقة مثل الذهب ينشدها كل باحث عن الجوهر الأصيل، الذي لا يخالطه زور أو بهتان.. لأنها تعبر عن مكنون الإنسان الحقيقي وفطرته الصافية المحبة للوجود الأسمى وللخالق سبحانه وتعالى.
والحقيقة كالنجم المضيء في فضاء واسع يسافر لها الحالم ليكتشف في النهاية أنه لم يخطو ألا الخطوة الأولى ليعرف نفسه.. وحينها ينفطر القلب حزناً.. ويتوجع كمداً وألماً على تقصيره وتفريطه في حق ربه.. وتعجز الدموع عن التعبير ورسم أسطورة الحب الأسمى (كما فعل جلجامش في رحلة الخلود).
وللحقيقة معلمها الأول الذي لا يغيب، وهو حاضرٌ حين نطلبه أو ندعوه بصدق. فقد نعجز عن رؤية الشمس خلف السحاب الممطرة، ولكنها موجودة غير غائبة، ويصلنا شعاع نورها المضيء. وقد تكون الحقيقة صعبة للبعض، ولكنها دليل الباحث عن الغاية (العدل، السلام، الحرية).. وهي هدف شرعي وثوري لقلب موازين الأمة وجعلها ترجع لروحها وعقلها.
ولطالما أتعبني البحث عن الحقيقة، وأسهرتني ليلاً، وأدمعت عيني حزناً.. وبقدر ما تكون رحلة البحث عن الحقيقة متعبة وصعبة، ألا أنها تستحق المحاولة تلو المحاولة، ومن هنا تكتسب الحياة صفاءها ومعناها السامي، وتستحق أن نعيشها بحضورنا ووعينا وروحنا المدركة لها حتى اللحظة الأخيرة.
ألا يعتقد القارئ الكريم معي بأن الحقيقة هي طريق الخلاص للبشرية عندما نعرف الإجابة على (الأيانات الثلاث) إذا صح التعبير.. وهي (من أين؟، وإلي أين، وفي أين)، كما صرح بها مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) حين قال: (رحم الله من عَرفَ من أين، وفي أين، وإلى أين؟).
ختاماً.. لن أسرف في الحديث حول الحقيقة.. فالحديث ذو شجون.
وسأكتفي بمقولة الإمام الصادق (عليه السلام): (وجدت علم الناس كلهم في أربع: أن تعرف ربّك، أن تعرف ما صنع بك، أن تعرف ما أراد منك، أن تعرف ما يخرجك من دينك).
وعليه توكلت على خالقي ومعبودي فهو وكيلي ومعتمدي ورجائي في الدنيا والآخرة، فقد وجدت في حديث الصادق المصدق خير معين للبحث عن الحقيقة، وأروع بداية لكل حائر أو تائه أو باحث عن الطريق السليم.. وقد تكون هناك بقية لحديثي طالما حييّت كباحث عن الحقيقة.