بقلم (حسن كاظم الفتال)
بسم الله الرحمن الرحيم (وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا) ـ الفجر/19
قال رب العزة والجلالة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا) ـ الأحزاب / 70
تحية الى الأحبة الكربلائيين الحسينيين...
وحين أقول الكربلائيين، لا أعني من نشأ أو سكن في كربلاء المقدسة فحسب، وإنما كلَّ من يحملُ الروح الكربلائية والنفس الكربلائي والغيرة الكربلائية والحرص على صيانة تراثها الحسيني من التشوه أينما وجد، وليس بالضرورة أن يكون في مدينة كربلاء المقدسة حصراً.
أقول أيها الأحبة: إننا منذ أن أبصرنا النور وجدنا أنفسنا منغمسين في أغوار واعماق القضية الحسينية مضموناً ومفاهيمَ وعِبرةً وعَبرةً.
وإنني بكل تواضع والكثير الكثير من الحسينيين رحم الله من مضى منهم ورعا الله الموجودين وأطال في أعمارهم، عشنا وترعرعنا في هذه المدينة المقدسة وتغذّت أرواحنا ونمت عقولنا قبل أجسادنا على قداستها وعلى جمالية تراثها وعاصرنا احداثا كثيرة وكذلك سمعنا ممن سبقنا من المؤرخين والأدباء والخطباء وارباب المنابر والعاملين في الوسط الحسيني، وتعلمنا الكثير وإستقرت بكل ثبات صور بعض الأحداث والوقائع في أذهاننا ونقشت في ذاكراتنا، ولعلها لا تمحى أبداً.
وأحيانا كان بعضنا لا يجرؤ كثيراً على الحديث عن هذه الأحداث أو سردها في أي مكان أو زمان كان لوجود مؤرخين كبار مختصين معنيين بالأمر وهم أحق وأقدر منا على تجسيد المواقف ورسم الصور وصياغة العبارات في ذلك الوقت.
وبما أنني شخصياً كنت أتوق كثيراً لقراءة الاحداث وتدوين بعضها لأنني عشتها أو كنت قريباً منها وأنغمس الكثير منها في جوف ذاكرتي وقد كتبت الكثير عن تراث كربلاء الحسيني وترجمت لحياة بعض الراحلين من الخطباء والشعراء والادباء ووثقت ذلك بالطباعة وألّفت عدداً من المؤلفات عن القضية الحسيني المباركة، ناهيك عن أنني التصقت بالإعلام بالممارسة العملية الفعلية ومنذ أكثر من ستة عشر عاماً وأنا أعمل في أكبر وأقدس مؤسسة إعلامية مرموقة، فربما يحق لي ان اقول بأني كوّنت الكثير من الصور وعرضت الكثير منها سواء في الاذاعة او بعض القنوات الفضائية، فضلاً عن إصدار الدواوين الشعرية وعشرات القصائد وإصدار مؤلفات كثيرة حول القضية الحسينية والتراث الحسيني، مضافاً إلى عشرات المقالات المنوعة والمختلفة بهذا الخصوص وهي مدونة ومثبتة وموثقة شاخصة للعيان بإمكان أي شخص الإطلاع عليها، وحصدت بعض الجوائز ونلت أوسمة أبرزها درع (رواد الثقافة الكربلائية) وغيرها.
وبما أني أتيح لي أن أكون ولا زلت على تماس مباشر بالوسط الإعلامي والأدبي الحسيني وأمارس العمل الإعلامي ممارسة فعلية فمن المحتم أن أزداد إطلاعاً وأكتسب خبرةً.
ولكن ما لمسته في السنوات الأخيرة مثلما لاحظ غيري ذلك بروز ظاهرة معينة على سطح الواقع انتشرت بين الكثير من الإعلاميين ومقدمي البرامج والشباب منهم على وجه الخصوص في وسائل الإعلام المرئي والمسموع والمقروء، إذ أن بعض الأحبة من مقدمي البرامج استهوتهم مسألة التحدث عن التراث الكربلائي الحسيني رغبةً في إضافة علاماتٍ في سجلهم الإعلامي واستسهلوا الأمر والذي منهم من لا يفقه أي شيء عنه ولا علاقة له بالتراث لا من قريب ولا من بعيد حيث منهم من هو لازال في ربيع العمر ومنهم حتى لم يكن موجوداً في كربلاء المقدسة إلا بعد عام 2003، ولكن راح بعضهم يسترق بعض المعلومات من هنا وهناك ويعتمدها، ومنهم من يستعين بما هو مدوّن في الإنترنيت دون التفحص والتمعن والتأكد من صحة المعلومة ودقتها، وبعضٌ ممن يعتمد على ضيوفه ومن يختار له الضيوف حيث يستضيف شخصاً وذلك الشخص هو الآخر لا يتقن عملية الخوض في الحديث عن التراث ولا يملك أية دقة لبعض الحقائق إلا ما تناقلته بعض الأفواه وهكذا .
هذا المذيع أو الإعلامي يتدخل بهذا الشأن ويشوه بعض الحقائق ظناً منه بأنه سيسجل منجزاً إبداعياً ويحقق شهرةً بذلك.
وكذلك قسمٌ من العاملين في بعض الصحف والمجلات التي أصبحت لا تعدّ ولا تحصى، يحاولون أن يجربوا الخوض في هذا المضمار لإستعراض قدراتهم وإثبات أحقيتهم في الخوض وهم بالحقيقة لا يمتلكون المؤهلات لذلك.
لذا نرى أن هذا الصنيع يعدّ عبثاً بالتراث الكربلائي الحي وتشويهً للصور، إذ أن أمثال هؤلاء يرسمون صوراً مشوهة أو معلومات خاطئة يلتقفها المتلقي وهو لا يعلم دقة صحتها بل يعتمد على من يطرحها حيث يعدهُ موضع ثقة، ولدي الكثير من الأدلة وأنا على إستعداد لان أبرزها لمن يطلبها.
لذا أقترح وأتمنى على المهتمين والإختصاصيين من الأدباء والكتاب الكربلائيين المخضرمين والمؤرخين الحقيقيين والمعروفين لدى أرباب الأدب الكربلائي الحسيني، إنشاء جمعية او منظمة او مؤسسة تعنى بصيانة التراث والحفاظ عليه، تكون مهمتها تدوين تراث كربلاء المقدسة بالتحقق بضبط الوقائع والحقائق ومتابعة وإعانة من يرغب في الكتابة عن التراث وتزويده بالمعلومات الصحيحة وفي مقدمتهم الإعلاميون ومقدمو البرامج والمؤلفين الجدد وتزويدهم بالمعلومات الصحيحة المنقحة لإنقاذ تراثنا الثرّ القيّم من التشويه أسوةً بالكثير من البلدان التي تصون وتحصّن تراثها وتحصنه من العبث والتشويه بواسطة مؤسسات أُنشأت للحفاظ على التراث، وعدم السماح لغير ذوي الإختصاص بنشر أو بالتحدث بما يروق له وتشويه الصور بقصدٍ أو بغيرِهِ.
ألف تحية لكل الكربلائيين الحسينيين أينما كانوا وإينما حلّوا.