بقلم (د.مسعود ناجي إدريس)
لعل من العوامل التي جعلت الأربعين الحسيني ذات مكانة عالية وأصبحت مهمة بين أنصار أهل البيت "عليهم السلام" هي الرواية الشهيرة عن الإمام العسكري "عليه السلام"، والقائلة بـ "عَلَامَاتُ الْمُؤْمِنِ خَمْسٌ: صَلَاةُ إِحْدَى وَخَمْسِينَ، وَزِيَارَةُ الْأَرْبَعِينَ، وَالتَّخَتُّمُ فِي الْيَمِينِ، وَتَعْفِيرُ الْجَبِينِ، وَالْجَهْرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ".
في هذه الرواية، يقدّم الإمام العسكريّ "عليه السلام" زيارة الأربعين كإحدى علامات التعرّف على شيعة أهل البيت، فما هو الهدف من ذلك؟ لدينا العديد من الممارسات أو المعتقدات في التعاليم الشيعية التي يمكن اعتبارها علامة على التشيع.
الاهتمام العميق والشامل بأحداث عاشوراء حتى الأربعين يمكن أن يكشف سبب أهمية الأربعين إلى حد ما، فالأربعين هي نهاية أسر أهل البيت "عليهم السلام"، وإستكمال مهمة السيدة زينب والإمام سجاد "عليهما السلام" في فضح اليزيديين، ونقل رسالة دماء الحسين إلى الكوفيين والشاميين الضالين، فما يجب اعتباره هو أن الأربعين بداية مغادرتهم من الشام وحتى تاريخ وصولهم إلى كربلاء.
لكن من ناحية أخرى، فإن الأربعين هي أيضاً مصدر الغليان والحركة التي لا تنتهي لنشر الثقافة الحسينية، منذ الأربعين، بذلت كل من جهود أئمة أهل البيت والشيعة والأنصار على إحياء ذكرى الإمام الحسين "عليه السلام" والدخول في صراع ثقافي ضد النظام الأموي القمعي ومن ثم النظام العباسي وجميع الأنظمة الظالمة عبر التاريخ.
رسالة الأربعين هي رسالة انتصار الحق على الباطل والدماء على السيف وبداية شكل جديد من المعركة الثقافية مع طغاة الزمان، إن حادثة عاشوراء وسفك دم الإمام الحسين "عليه السلام" وأنصاره الأبطال، هي أفضل طاقة ورأس مال لمثل هذا النضال المستمر الذي لا ينتهي حتى يوم الدين.
ويعتبر قراءة زيارة الأربعين، وزيارة الإمام الحسين "عليه السلام" في يوم الأربعين، وإقامة هذا اليوم بين شيعة أهل البيت "عليهم السلام" من أبرز العوامل في تعزيز الهوية الشيعية، فمن الأربعين تأخذ الهوية الشيعية حياة وشكلًا جديدين، وبمساعدة قوة عاشوراء المذهلة، تظهر بروزاً قَوِياً في الساحات السياسية والثقافية والعسكرية، والأربعين يرشدنا إلى الفكر الإلهي، أنه على الرغم من أن الباطل مثل الرغوة على الماء قد يثير الرأي العام لفترة وجيزة ويشرك الساعين في القتل والأسر وجميع أنواع الظلم، إلا أن حسن الخاتمة والنصر سيكون للحق والباحثين عنه.
اعترف نظام يزيد، الذي برز بكل قوته لتدمير حركة العدالة للإمام الحسين "عليه السلام"، بهزيمته في الأربعين وأرسل أهل البيت "عليهم السلام" إلى المدينة المنورة بإحترام، من هذه البداية فصاعداً، نشهد انتفاضات وأحداث، مستوحاة من انتفاضة الإمام وأنصاره، تضيق الطريق للحكم الأموي وتقضي على حكمهم تدريجياً.
انتفاضة التوابين، وانتفاضة أهل المدينة المنورة، وانتفاضة المختار بن أبي عبيد الثقفي، تحدث على طول هذا الخط وتهز أطراف الحكم الأموي الاستبدادي.
الشيعة يهتفون بانتصار الإمام الحسين وأنصاره في الأربعين الحسيني، ورغم أنهم في عاشوراء يبكون على استشهاد الإمام وأصحابه وينعون الجرائم التي ارتكبت ضد أهل البيت، لكنهم في الأربعين يراقبون نتيجة استشهاد الإمام وأهل البيت "عليهم السلام"، الأربعين تستحق التكريم والتعظيم، لأن الأربعين هي ثمرة عاشوراء وما بدأه الإمام الحسين في عاشوراء سيؤتي ثماره في الأربعين.