بقلم (حسين فرحان)
سنهمس همساً خفيفاً لطيفاً في آذان المتأزمين نفسياً نتيجة رؤية المواكب الحسينية وشعائرها ومن سماع اسمها حتى...
سنهمس دون ضجيج أو صراخ، فصراخنا قد إدخرناه للسواتر نعلن به التلبية لنداء الحق، وصراخنا إدخرناه للجزع من هول مصيبة أبكت السماء دماً، لعلنا ننعم ببركات دعاء العصمة الساجدة وهي تردد: "وارْحَم تِلكَ الصَّرْخَةً الَّتي كانَتْ لَنا".
بكل أريحية وثقة نخاطب المعترض، المتشنج، المتأزم، المريض، وإياه وجارته نعني بقولنا: (مواكب الحسين وما أدراك ما مواكب الحسين؟)
فإذا كنت أيها الحانق لا تمتلك إلا البصر الذي يجعلك في دائرة المادة دون غيرها، فغيرك يمتلك بصراً وبصيرة نافذة تجعله ينظر لما يزعجك بخلاف نظرتك القاصرة، وإذا كنت مشوشاً إلى حد التخمة والإمتلاء بتفاهات فكرية ولوثات عقلية مستوردة فغيرك قد نهل من معين صاف عذب لا شائبة فيه، وإذا كنت ممن تنكّر لدينه ولإنتمائه وأصله وهو يعيش نوبات الخجل منها فغيرك مايزال يؤمن بكل تفاصيلها مفتخراً بذلك على العرب والعجم وما أقلت الأرض وأظلت السماء.
مشكلتك أنك لا تعرف ما تريد ولا تدري من أنت وما أنت، فأصبحت كالحطيئة لم تسلم منه حتى ذاته في النقد والإنتقاص دون غاية يدركها في ذلك.
مشكلتك أنك ضيق الأفق إلى حدٍ لا يمنحك هذا الضيق فرصةً للنظر إلى نفسك فضلاً عن تجاوز حدود وطنك ومشاهدة ممارسات عهدتها البشرية ما أنزل الله بها من سلطان وهي أولى بأن تنتقد أو توضع في محل مقارنة مع ما يزعجك من شأن مواكب الحسين، لذلك سُلبتَ التوفيق ولم يعد لك من الهموم سوى أن تشن الحرب عليها متبجحاً بثقافتك التي كُتِبَ عليها بالخط العريض (صنع في الخارج)، وقد منحك هذا الخارج سمة الحمير بدرجة الإمتياز فصدقت أنك مثقف واعٍ متحضر ليس لك هم سوى إستعراض مصطلحاتك المريضة وتوظيفها لإسقاط (قوري) الشاي أو دلة القهوة من يد عجوز يخدم الزائرين في طريق كربلاء، أو الاعتراض على رايات تعلو أسطح المنازل وقد خطّت عليها عبارات حسينية عاشورائية لم تعهدها أنت في ثقافتك، فثقافتك لم ترتبط يوما بقضية حقيقية كقضية الحسين ولم تتصل برسالات السماء كما إتصلت قضيته "عليه السلام"، ومن الصعب عليك بل من المستحيل أن تفقه ما يجري، أو أن تفهم يوما معنى كلمات مثل: ( الولاية... العصمة... العشق... الانتماء... الشعائر... عاشوراء... كربلاء... خط الرسالة... الإنتظار... الخدمة... الزيارة...) وغيرها، لذلك ستبقى نظرتك قاصرة ما دمت قاصراً وما دمت تكره نفسك وإنتمائك دون رشد، وأنّى يأتيك الرشد وقد أقحمت نفسك في ظلمات لا تحصى طبقاتها.
سيصعب عليك -وإنت بهذه الحال-أن تفهم ان الكثير من الذين يخدمون في هذه المواكب هم من أصحاب الشهادات التي تفوق شهادتك لتبطل حجتك بأنها متخلفة.
سيصعب عليك أن تفهم أن المواكب بلغت من نظم الأمر ما يعجز عنه الوصف فقدمت صوراً مشرقة في دعم الجبهات لوجستياً وتلبيتها لفتوى التكافل وإمتثالها لتوجيهات المرجعية الدينية والتوجيهات الصحية في زمن تفشى فيه الوباء بينما كنت أنت تغط في نوم عميق ولتبطل حجتك بأن المواكب فوضوية.
سيصعب عليك أيها المختنق بالحقد أن تفهم بأن المواكب صنعت رجالاً استشهدوا في الصحراء والجبال، وحرروا ثلث وطنك الذي تتبجح بالولاء له كاذباً وأنت تسعى لمحو هويته الدينية والثقافية.
سيصعب عليك أن تفهم كل ذلك لأنك خارج عن المألوف، ولا نعلم لم لا يصيبك الإحباط وأنت ترى أن بنيانك الذي تبنيه طيلة عام كامل تهدّه مجالس العشرة الأولى من كل شهر محرم يمر عليك وعلينا؟