بقلم (مروة حسن الجبوري)
من أقوال الامام الحسين "عليه السلام" في واقعة كربلاء، "يا خيرة النسوان"، فمن تلك السيدة التي نالت هذه المكانة حتى كانت خيرة النساء في عصرها، إنها السيدة سكينة بنت الامام الحسين "عليهما السلام".
ويقال أن لها عدة أسماء، منها سكينة -بفتح السين وكسر الكاف -وسكينة -بضم السين وفتح الكاف -وهو الأسم المشهور لها، وهناك قول أن اسمها آمنة على اسم جدتها والدة رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وسكينة لقب لها ولكنه صار إسماً لها في الروايات والكتب المشهورة.
والدتها هي "الرباب بنت امرؤ القيس" أم عبد الله الرضيع، فيما أُختِلف في تأريخ ولادتها فرأي قال سنة (42) للهجرة وآخر (47) للهجرة، وفي أقل التقادير يكون عمرها في واقعة الطف عشر سنوات.
أُختِلف أيضاً في وقت وفاتها، فقيل أنها توفيت في حياة الإمام السجاد "عليه السلام" الذي إمتدت إمامته من سنة (61) في فترة ولاية "خالد بن عبد الملك بن مروان" على المدينة، وهي في وسط فترة إمامة الامام السجاد "عليه السلام" فيكون عمرها عند الوفاة مقارباً للثلاثين سنة.
وعلى هذا القول لما توفيت "سلام الله عليها"، أُخبِر "خالد بن عبد الملك" ليحضر تشييعها وكانت وفاتها في يوم شديد الحر فأخذ يماطلهم حتى صار وقت العشاء وكان قصده أن ينتن جسدها الشريف من شدة الحر وذلك لعدائه الشديد لأهل البيت "عليهم السلام" وخصوصاً أن السيدة سكينة "عليها السلام" كانت ترد عليه وتحاججه لسبّه أمير المؤمنين "عليه السلام"، والقول الآخر في وفاتها وهو المشهور، أنها توفيت في 5 ربيع الاول سنة 117 هجري في زمان الامام الصادق "عليه السلام".
وعند الجمع بين الأقوال في ولادتها ووفاتها تكون "عليها السلام" قد عاصرت مجموعة من الأئمة المعصومين عليهم السلام هم الامام الحسن السبط والامام الحسين أبوها وأخوها الامام السجاد والامام الباقر والامام الصادق "عليهم السلام أجمعين"، فهي قد تربّت في بيت الإمامة الطاهر.
وأُختلِف في موضع قبرها بين أنه في طبرية الشام على شاطئ بحيرة طبرية، وآخر أنه في مصر وقول أنها في دمشق بمقبرة الباب الصغير بالقرب من قبر أم كلثوم، وفي هذه المقبرة دفن إبن عباس وبلال الحبشي، وهذا القول نفاه الشيخ "عباس القمي" كما نقله عنه السيد "محسن الأمين" لأنه يقول أنه قرأ على صندوق القبر مكتوب: "هذا قبر سكينة بنت الملك، ولم تكتمل الكتابة لإنكسار الصندوق، وكلمة الملك لا تطلق على الأئمة عليهم السلام".
والمشهور بين علمائنا أن زوجها هو عبد الله الأكبر ابن الامام الحسن السبط، وكان حاضراً في كربلاء واستشهد مع الامام الحسين عليه السلام واختلفوا هل حصل الزواج الكامل، فالنتيجة هي أنها كانت زوجة له ولم تتزوج بعده.
من أقوال الامام الحسين "عليه السلام" فيها:
قال عنها حينما جاءه الحسن المثنى بن الحسن السبط خاطباً لإحدى ابنتيه فاطمة وسكينة انها "غالباً عليها الاستغراق مع الله عز وجل" أي هي منقطعة لله تعالى.
قال فيها وفي أمها الرباب شعراً:
لعمرك إني لأحب داراً
تحل بها سكينة والرباب
وقال في يوم عاشوراء عند وداعها:
سيطول بعدي يا سكينة فاعلمي
منك البكاء إذا الحمام دهاني
لا تحرقي قلبي بدمعك حسرة
مادام مني الروح في جثماني
فإذا قتلت فأنت أولى بالذي
تأتينه يا خيرة النسوان.
فوصفها بأنها "خيرة النسوان".
إفتراءات على السيدة سكينة:
تعرّضت السيدة سكينة "عليها السلام" لافتراءات كثيرة من الأقلام المأجورة للإعلام الاموي المعادي لأهل البيت "عليهم السلام".
جهادها في كربلاء:
في كربلاء حيث تحملت مصائب الطف مع نساء البيت العلوي وعاشت كل أحداثها وكانت من الرواة لأحداث واقعة كربلاء كما وتعرضت للسبي مع عائلة الحسين.
بعد كربلاء، واصلت مسيرتها الجهادية في نشر علوم أهل البيت والتصدي لطغاة بني أمية حيث ينقل المؤرخون أن والي المدينة في زمن امامة الامام السجاد "عليه السلام"، خالد بن عبد الملك أحد أحفاد مروان بن الحكم وكان ناصبياً يتكلم السوء على أمير المؤمنين عليه السلام، فكانت السيدة سكينة تلقّن جواريها أحاديث الرسول ومناقب أمير المؤمنين وتقول لهن ارددن عليه، فكان الوالي ينزعج من ردّهن فيضرب الجواري لأنه لا يتجرأ على السيدة سكينة، وفي رواية أنها هي كانت تضرب ستاراً في المسجد وترد هي عليه.
وفي موقف يذكر على المنابر حينما أراد الامام الحسين "عليه السلام" توديع عائلته الوداع الثاني التفت إلى ابنته سكينة فرآها منحازة عن النساء باكية نادبة فوقف عليها وتكلم معها.
وبعد استشهاد الامام الحسين ولما مرّوا بضعن العائلة على جثث القتلى اعتنقت السيدة سكينة جسد أبيها الحسين "عليه السلام" فكانت تحدث أنها سمعته يقول:
شيعتي ما إن شربتم عذب ماء فاذكروني
أو سمعتم بغريب أو شهيد فاندبوني
واجتمع عليها عدة من القوم وجروها عن جسد أبيها.