بقلم هبة خميس
في صبيحة يوم أحد عام 548 هجرياً تحرك "الأفضل بن أمير الجيوش بدر الجمالي" من ميناء عسقلان بفلسطين يحمل رأس سيدنا الحسين الشريفة في رحلة طويلة تمت باتفاق دفعه الفاطميون للصليبيين المسيطرين على عسقلان حتى وصل بها إلى القاهرة، فأنزل الرأس إلى سرداب يصل إلى قصر الزمرد، ثم دفن في قبة الديلم داخل القصر.
توالت التجديدات على مكان ضريح الحسين، رممه القاضي الفاضل "عبد الرحيم البيساني"، ثم جاء الأمير "كتخدا" ليبني المكان ثانية، أضاف لأرجائه تفاصيل لم تزل حاضرة. انقضت الأزمة بأهلها، فيما ظل مسجد الحسين حاملاً لاسم أحد أبرز الشخصيات في التاريخ الإسلامي، وشاهدًا على تغيرات جمّة، وقِبلة المحبين لآل البيت.
اعتادت السيدة سعاد زيارة ضريح الحسين بشكل يومي، تخبز القرص باللبن والسمن وتضعها في سلة تحملها لتوزيعها على زائرات الضريح من السيدات وطالبي الرحمة ومحبي الحسين ثم تدلف إلى داخل الضريح من ناحية السيدات، تتناول كل واحدة نصيبها من القرص الطرية ويكملن إنشادهن بأصوات عذبة تتردد لخارج الضريح فيعمّ السكون رغم الزحام حول المسجد الكبير.
يا سيدنا الحسين
يا سيد الشهداء يا ولي النعم يا منبع الكرم يا سيدنا الحسين
يا ابن البتول يا نسل الرسول يا زهرة المختار يا حبيبي يا سيدنا الحسين
ولد الحسين "عليه السلام" في العام 4 هجرياً، عرف بولادته "النبي صلى الله عليه وسلم" فجاء وأخذه وأذن في أذنه اليسرى واستبشر به وأسماه حسيناً، وقال لأمه فاطمة رضي الله عنها "احلقي رأسه، وتصدقي بوزنه فضة وافعلي به كما فعلت بأخيه الحسن".
ويقال إنه من كثرة فضل الحسن والحسين ومحبة الرسول "صلى الله عليه وآله وسلم" لهما، أنه جعل نوافل المغرب وهي أربع ركعات كل ركعتين منهما عند ولادة واحد منهما.
لسنوات ظل المسجد على حاله والأرض المجاورة له تحوي مقابر الخلفاء الفاطميين وتسمى "تربة الزعفران"، لكن حينما جاءت دولة المماليك الجراكسة قام السلطان "جاهركس الخليلي" بنبش الأرض وإلقاء ما بها على التلال خارج القاهرة، وأنشأ على تلك المساحة خان الخليلي وهو سوق مليء بالحوانيت التي تمتليء بها القاهرة القديمة وميزة ذلك السوق مستمدة من وجوده حول مسجد الحسين.
ولما قدم الى مصر السلطان عبد العزيز عام 1868 ميلادياً وزار المقام، أمر الخديوي إسماعيل والي مصر بعمارته وتشييده على أتم شكل وطراز معماري وعلى مدار سنوات طويلة، تم تجديد المسجد باستمرار وتوسعة ساحته حتى تسع زائريه ومحبيه.
يشتمل المسجد على 9 أبواب، وبه حُجرة تحتوي على الآثار النبوية الشريفة ومن بينها قطعة من قميص النبي –صلى الله عليه وآله وسلم، وأربع شعيرات من لحيته وسيفه الذي يسمى "العضد"، ويوجد أيضاً أحد المصاحف المنسوبة للإمام علي بن أبي طالب والمكتوب بالخط الكوفي.
حياة حافلة تلك التي عاشها الإمام الحسين فطلب العلم لسنوات وناله، وساند والده الإمام علي بن أبي طالب في حروبه ضد الخوارج، ولما توفي الإمام علي وقف الحسين مع أخيه الحسن الذي تنازل عن الخلافة لصالح "معاوية ابن أبي سفيان" حقناً لدماء المسلمين وفق شروط من ضمنها أنه عقب وفاة "معاوية" يكون الحكم شورى بين المسلمين لا توريثاً، وقال لأخيه الحسن "أنت أكبر ولد علي، وآمرنا لأمرك تبع، فافعل ما بدا لك".
بعد سنوات قليلة توفي أخوه الأكبر الحسن الذي مرض مرضاً قاسياً ولما اشتد عليه المرض قال لأخيه الحسين "يا أخي سقيت السم ثلاث مرات، لم أسق مثل هذه، إني لأضع كبدي، قال الحسين: من سقاك يا أخي؟ قال: ما سؤالك عن هذا؟ أتريد أن تقاتلهم؟ أكلهم إلى الله عز وجل ". وتوفي عن عمر يناهز الخمسون عاماً
حينما توفي الخليفة "معاوية " خرج ابنه يزيد عن شروط الصلح التي وضعت وهي أن يترك الحكم لشورى المسلمين، وطلب يزيد البيعة من المسلمين لكن حسيناً لم يرتضي البيعة وأرسل ابن عمه "مسلم بن عقيل" إلى أهل الكوفة ليعرف موقفهم من البيعة، لكن يزيد ابن معاوية علم بقدومه فأرسل إليه والي البصرة ليتعقبه ويقتله ويعلق رأسه في دمشق، وفي يوم عاشوراء قرر الإمام الحسين الزحف إلى الكوفة ومعه أولاده وأهله وصحبته وبرغم تحذير صحابته له من غدر يزيد لكنه قرر الذهاب لنصرة الحق.
وهناك في صحراء كربلاء أدركهم جيش يزيد بن معاوية فحاصرهم واستشهد الحسين وأبناؤه من الذكور إلا "زين العابدين السجاد " لصغر سنه ومرضه وتم أسر نساء أهل البيت وعودتهم إلى المدينة المنورة قبل عزمهم على الذهاب إلى مصر ليرقدوا بالقرب من مرقد رأس الحسين الشريف.
تلمس الحاجة "سعاد" بيديها المعدن المزخرف حول الضريح المقلم على الرأس الشريفة التي تحركت في رحلة طويلة من أبواب دمشق لعسقلان حتى تستقر بمصر في تلك البقعة ،ثم تخرج من باب الضريح و على يسارها قطعة رخامية منبسطة كانت جزء من المنارة التي شيدها الملك الصالح بجوار الضريح ،و تدق بقدميها على الأرض التي كانت في زمان ما "قصر الزمرد" وأضحت ساحة الحسين، تتمشى على مهل في أزقة خان الخليلي العامرة بالبضائع و البهارات فيصمها الدق على النحاس ويشغلها عن الذكر قليلاً ،تعود إلى بيتها القريب من المسجد وخان الخليلي بالسلة الفارغة بعد توزيعها للقرص والإنشاد و قراءة القرآن وفي الليل تجهز العجين للخبز مرة أخرى حتى لا ينقطع الزاد من المسجد ومرقد رأس الحسين الشريفة ، وفي كل عام تحتفل بالمولد الجديد للحسين وهو يوم وصول الرأس إلى مصر لتحويها وتنال بركات سيد الشهداء .
المراجع:
مسرحية الحسين ثائراً وشهيداً لعبد الرحمن الشرقاوي
كتاب أحداث النهاية والبداية لابن كثير
كتابات المقريزي
كتاب مراقد أهل البيت في مصر للإمام محمد زكي ابراهيم
كتاب أولياء الله الصالحين في مصر للدكتور سعاد ماهر
مصدر الموضوع: