ثمة فكرة ليست بالجديدة قد دأب كثير من دراسي التاريخ على تكريرها في كتاباتهم، وهي "لا حقيقة مطلقة في التاريخ، وإنما هي حقيقة نسبية" وهذه الفكرة باعتقادي صحيحة ولكنها ليست دقيقة، وتحرّياً للدقة ينبغي أن يُقال: لا حقيقة مطلقة في الجُزئيات التاريخية وإنما توجد في عمومية الحدث، فهل يوجد شك في هذه الحقائق التاريخية المطلقة التي ذكر بعضها أصدق الكتب وهو القرآن العظيم: وجود الأنبياء التاريخي، مقتل بعضهم على يد الخصوم، حوار بعضهم مع قومهم، سيرة خاتمهم رسول الله محمد-صلى الله عليه وآله-ومنها: حروبه في بدر وأُحد وحُنين، وحقيقة الوجود التاريخي للخلافة ومتولّيها، وظهور الدول، وظهور المذاهب الإسلامية، وبناء المُدن، وسكّ العملات التي وصل إلينا كثيرها، وغير ذلك من الشواهد التاريخية التي لا شكّ فيها ولا رَيب، فهي حقائق تاريخية مطلقة نجدها في كُليات الأحداث، وقد نجد هذه الحقيقة المطلقة في بعض جزئيات الحدث، وليس هناك أوضح مما نجده في القضية الحُسينية، فأننا نجد الحقيقة التاريخية المطلقة واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار في كُلّية هذا الحدث التاريخي الحَي، ونجدها أيضاً في كثير من جزئياته، فهل من شاكٍّ في وجود الإمام الحسين التاريخي؟ هل من ناكرٍ لتعظيم رسول الله له؟ هل من مُخالِف يُخالف حقيقة إخبار السماء بمقتله بُعيد مولده؟ وأنه سيكون في كربلاء، وأن السماء بكَت عليه دماً، وأن الأرض أخرجت دماً عبيطاً، وأن رأسه الشريف رُفع على الرمح، وأنه سُيّر إلى يزيد في الشام، وأن عياله سُبوا، وأن ولده زين العابدين كان من الناجين، فهلّا لحظنا وضوح الحقيقة التاريخية المطلقة في عمومية القضية الحسينية وفي كثير من جزئياتها؟ فهذه إحدى خصائص القضية الحسينية التي لا تحتاج اليوم إلى مصدر تاريخي لإثباتها، فهي حقيقة تاريخية مطلقة من النوع الثابت.
أحمد مهلهل