8:10:45
من النواويس إلى الحائر... رحلة الأرض التي احتضنت الإمامة والشهادة اهل البيت عليهم السلام: منزلتهم و مبادئهم هلاك الاستبداد و نجاة التشاور ... محمد جواد الدمستاني موقف شهداء الطفّ... حين ارتفعت قيم الكرامة فوق رايات النفاق في مكتبة مركز كربلاء... المرجع الأهم للنجاح في إختبار التوفل الدولي مدينة الحسين "عليه السلام" في الأرشيف العثماني... ملامح سياسية واقتصادية يكشفها مركز كربلاء للدراسات والبحوث أسرار تحت أقدام الزائرين... ماذا تخبئ تربة كربلاء من كنوز زراعية وتاريخية؟ قاسم الحائري... شاعر كربلاء الذي بكى الحسين حتى العمى المساجد ومجالس الأدب كمصنع للوعي... أسرار ازدهار الصحافة في كربلاء العمل في فكر الأنبياء "عليهم السلام"... صناعة الإنسان قبل صناعة الحضارة قراءة في كتاب: "الإمام المهدي في القرآن والسنة" سفر من نور في مكتبة مركز كربلاء كتب "الولائيات" بين المبالغة والوهم... مركز كربلاء يقرأ نصوص الطف بعين العقل والمنطق تحت شعار: "بالألوان نرسم الأمل".. مركز كربلاء يحلّ ضيفاً على أول معرض فني بمدرسة عراقية في مدينة قم المقدسة الصبر على المصيبة مصيبة للشامت ... محمد جواد الدمستاني في إصدار علمي جديد... مركز كربلاء يسبر أغوار خزائن العتبات المقدسة الحوزة العلمية في كربلاء... مجدٌ نُقش بأسماء الكبار وتراث عظيم ينتظر من يزيح الغبار عنه هكذا انتصرت أقلام غير المسلمين للدم الحسيني... الوجه الآخر للإستشراق نساء في ظل العصمة... مركز كربلاء يحتفظ بتحفة معرفية فريدة عن زوجات أئمة أهل البيت (عليهم السلام) في إصدار علمي يجمع بين الترجمة والتحقيق... مركز كربلاء يكشف صورة الإمام الحسين (عليه السلام) في الثقافة الغربية بهدف إقامة حدث علمي نوعي… مركز كربلاء يناقش التحضيرات الخاصة بمؤتمر الأربعين القادم
اخبار عامة / أقلام الباحثين
11:23 AM | 2025-04-09 755
جانب من تشيع الشهيد زكي غنام
تحميل الصورة

شرّ الأصدقاء ... محمد جواد الدمستاني

«شر الإخوان من تكلّف له»

في حكمة تبيّن أسوأ الأصدقاء و تشير إلى الضرر و الأذى الذي قد يصيب العلاقات الأخوية و الصداقات نتيجة لتحميل الصديق أو الرفيق أعباء إضافية في صداقته يتكلّف لها دون عادته و طريقته و خلاف أسلوبه في الحياة، أعباء بما يكره و لا يطيق، تثقله حين الالتزام بها أو مراعاتها، مما يضعه في ضغط في علاقته و صداقته أو أخوته، روي عن أمير عليه السلام «شَرُّ الْإِخْوَانِ مَنْ تُكُلِّفَ لَهُ»[1]، قال الشريف الرضي: لأن التكليف مستلزم للمشقة و هو شر لازم عن الأخ المتكلف له فهو شر الإخوان.

 

الإخوان أو الأخوة جمع الأخ و يطلق على الشقيق و الصديق  و الرفيق و الصاحب و هنا قد ينصرف إلى الأصدقاء و الرفقاء و المقربين أكثر من الأخوة بالدم أو الأشقاء، و أشرّهم من يُتكلّف و يُتصنّع له، و تكلّف بمعنى تجشّم على مشقة، و تكلّف الشيء أي حمله على نفسه و ليس من عادته، و قال الله تعالى في كتابه الكريم «قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ»[2].

 

تشير الحكمة إلى ثغرة اجتماعية في العلاقات الأخوية و الصداقات و هي صفة التكلّف، و هذه تختلف بين النّاس و تختلف من مجتمع إلى آخر، بعضها يتسم بالبساطة و الصدق في علاقاته و هذه طبيعة العلاقات في القرى و الأرياف، و بعضها قائم على المجاملات و التكلفّات و المصالح و هذه تكثر في المدن.

 

و المعنى أنّ الأخ أو الصديق الذي يحوج أو يلجيء أخاه أو صديقه أو رفيقه إلى التكلّف و التصنّع و تحمّل أعباء إضافية هو شر الإخوان و أسوؤهم ذلك أنّ الأخوة و الصداقة الصادقة تظهر بطبيعتها بصفتها من التساهل و الانبساط و التسامح و أما التكلّف و التصنّع فهو يقابلها و ليس صفة للصداقة الصادقة.

 

فعلاقة الصداقة تبتني على الصدق و الصراحة و البساطة و الراحة و ليس على التكلّف و المجاملات التصنّعية، فإذا احتيج إلى التكلّف دلّ ذلك على أن الأخوة غير صادقة، و الأخ أو الصديق غير صادق، و الأخ غير الصادق هو شرّ الإخوان لأنّ بقية الإخوان صادقين و غير متكلفين.

 

و يحتاج الأخ في الحياة إلى صديق يخفّف عنه الهموم و يفرج الغموم فإذا كان يرغب في التكلّف و التصنع فهو ممن يزيد الهموم و الغموم، و قد تشعر معه أنّك لست نفسك بل تتصنع آخرا شبيها لك، فهو شر من الآخرين ممن صداقاتهم بسيطة دون إضافات من الهموم و التكلّفات.

 

فلا تكون مثل هذه الصداقة و العلاقة طبيعيةً و بسيطة و صادقة بل تحتاج إلى مزيد من الجهد و الرعاية و التصنّع، و قد تحتاج معها إلى إخفاء مشاعرك الحقيقية و تجنب الصراحة و الصفاء و الصدق، و قد تضطر معها إلى مجاملات خادعة أو مداهنات أو تملقات أو تدليس فتصل إلى منطقة خارج الصداقة و هي أمور سيئة و قبيحة، و قد يحدث هذا في العلاقات و الصداقات السياسية.

 

و في الحكمة تنبيه على اجتناب الأخ أو الصديق الذي يرغب في التكلّف و التصنّع له، ذلك لعدم الصدق في العلاقة معه، بل من الصعب استمرار مثل هذه العلاقة، و كأنّ لسان حال الحكمة يقول: لا تتكلف في صداقاتك، كن كما أنت صادقا في مشاعرك و أفعالك، فإن لم تٌقبل كما أنت في صداقتك و صدقك فليست هذه بصداقة صحيحة فاجتنبها.

 

و إنّ الصديق هو الذي تشعر معه بالقرب النفسي و لا تشعر بأنّك غريب معه فإذا ما أشعرك ذلك بالتكلّف فليس هو بصديق و لا أخ لك فابحث عن آخر أو آخرين أصدق منه، فإذا شعرت معه بأنّك قلق في اخراج كلامك، حذر في أقوالك، متردد في حركاتك و سكناتك، تحسب نفسك على جلساتك، و تضطر إلى تغيير أنماط في حياتك، و تفقد الصدق و الأمان في علاقاتك، تخرج من حالة الصفاء و الوضوح، تحتاج إلى أعباء و مشقات، فتلك من علامات التصنّع و الصداقة المزيّفة التي ينبغي أن تبتعد عنها لدرء الصعوبات المستقبلية و الأخطار المحتملة، و المحافظة على النقاء النفسي.

 

و تختار صداقات أخرى من خير الإخوان ممن تشعر معه بالراحة و البساطة و الانشراح، و يشعرك بوجودك و أهميتك، و يعطيك الأمان في علاقتك، و الثقة في نفسك، و يزيدك من حسن صفاتك، و يرشدك إلى الأحسن، و الحكمة في تمام نهج البلاغة بتقابل شر الإخوان و خيرهم، روي عنه عليه السلام: «شَرُّ الإِخْوَانِ مَنْ تُكُلِّفَ لَهُ، وَخَيْرُهُمْ مَنْ أَحْدَثَتْ رؤيته ثِقَةً بِهِ، وَأَهْدَتْ إِلَيْكَ غيبته طُمَأْنينَةً إلِيه»[3]، ثقة في حضوره و طمأنينة في غيابه.

و قريب من الحكمة قول أمير المؤمنين عليه السلام «شَرُّ أَصْدِقَائِكَ مَنْ تَتَكَلَّفُ لَهُ»[4] و «لَيْسَ لَكَ بِأَخٍ مَنِ احْتَجْتَ إِلَى مُدَارَاتِهِ»[5].

 

و هي -شَرُّ الإِخْوَانِ مَنْ تُكُلِّفَ لَهُ- الحكمة قبل الأخيرة في نهج البلاغة، و أما الحكمة الأخيرة فهي في فن العلاقات و الصداقات أيضا و هي «إِذَا احْتَشَمَ الْمُؤْمِنُ أَخَاهُ فَقَدْ فَارَقَهُ»[6]، فإذا احتشم و استحى و خجل و حذر من أخيه و و صديقه فهذا يدل على عدم الراحة و الانبساط و التمدد في الأخوة و الصداقة، مما يؤدي إلى الابتعاد عنه و الانفصال من علاقته و تركه.

 

و الإنسان عامة بحاجة إلى صديق متسامح، وفيّ، ناصح، أمين، يتكثر به أخوه، كما في الرواية عن النبي صلّى الله عليه و آله فقد بكى لما استشهد جعفر بن أبي طالب (ع) بمعركة مؤتة و قال «اَلْمَرْءُ كَثِيرٌ بِأَخِيهِ»[7]، و يكون هذا الصديق عونا لأخيه في الأزمات و النوائب، و أنيس له، و مواس له في المصائب و الصعوبات، ناصح له في العثرات و مرشد و مشير.

 

أما التكلّف و التصّنع و التظاهر عامة فهي صفة غير مرغوبة، و هي خلاف الصدق و الحقيقة، و الأفضل للإنسان أن يظهر ببساطته و تسامحه، و لا يظهر بشخصية تكلفية غير حقيقية، فالصداقة لا تحتاج إلى ساتر و غطاء يفقدها شفافيتها، و في الرواية عن الإمام الصادق (ع) «الْمُؤْمِنُ لَا يَحْتَشِمُ مِنْ أَخِيه، ولَا يُدْرَى أَيُّهُمَا أَعْجَبُ الَّذِي يُكَلِّفُ أَخَاه إِذَا دَخَلَ أَنْ يَتَكَلَّفَ لَه، أَوِ الْمُتَكَلِّفُ لأَخِيه»[8]، أي التكلّف من الاثنين غير مطلوب المتكلَّف له و المتكلِّف نفسه، فالذي يكلّف أخاه ما لا يطيق و يحمّله ما ليس بعادته أو استطاعته و قدرته مورد تعجّب و غير مطلوب، و الذي يكلّف نفسه بما يشقيه و يرهقه لأخيه مورد تعجّب أيضا و غير مطلوب.

 

و لشرّ الإخوان عدد من الصفات الأخرى كما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام منها الخاذل، الغاش، المداهن، و المصلحي، قال عليه السلام: «شَرُّ الْإِخْوَانِ الْخَاذِلُ»[9]،«شَرُّ إِخْوَانِكَ الْغَاشُّ الْمُدَاهِنُ»[10]، «شَرُّ إِخْوَانِكَ مَنْ أَرْضَاكَ بِالْبَاطِلِ»[11]، «شَرُّ الْإِخْوَانِ الْمُوَاصِلُ عِنْدَ الرَّخَاءِ وَ الْمُفَاصِلُ عِنْدَ الْبَلَاءِ»[12]، «خَيْرُ الْإِخْوَانِ أَنْصَحُهُمْ وَ شَرُّهُمْ أَغَشُّهُمْ»[13]، إلى غيرها من الروايات التي رويت عنه (ع) في شر الإخوان.

 

كما رويت عنه (ع) في صفات خير الإخوان ، منها «خَيْرُ إِخْوَانِكَ مَنْ عَنَّفَكَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ»[14]،«خَيْرُ الْإِخْوَانِ مَنْ لَا يُحْوِجُ إِخْوَانَهُ إِلَى سِوَاهُ»[15]، «خَيْرُ الْإِخْوَانِ مَنْ إِذَا فَقَدْتَهُ لَمْ تُحِبَّ الْبَقَاءَ بَعْدَهُ»[16]، «أَحَقُّ النَّاسِ أَنْ يُونَسَ بِهِ الْوَدُودُ الْمَأْلُوفُ»[17]،«خَيْرُ إِخْوَانِكَ مَنْ وَاسَاكَ»[18] إلى غيرها من الروايات التي رويت عنه (ع) في خير الإخوان.

 

و الحكمة ليس بها إشارة إلى قطع العلاقات مع الآخرين و إنهاء الصداقات، و إنّما إلى حسن اختيار العلاقات و الصداقات، و الترغيب في خير الإخوان و أفضل الصداقات و أحسن الأصحاب، و تجنب سيئها و شر الإخوان و الأصدقاء، و ألا تكون أنت في صداقاتك متكلِّفا و لا متكلَّفا له.

 

 

 

 

 

 

[1] - نهج البلاغة، حكمة 479

[2] - سورة ص، آية 86

[3] - تمام نهج البلاغة، السيد صادق الموسوي، ص ١٦٧

[4] - عيون الحكم والمواعظ، علي بن محمد الليثي الواسطي، ص ٢٩٣، غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ٤١٠(شرّ إخوانك من تتكلّف له).

[5] - غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ٥٥٩

[6] - نهج البلاغة - حكمة 480

[7] - المغازي، الواقدي، ج ٢، ص ٧٦٧

[8] - الكافي، الشيخ الكليني، ج ٦، ص ٢٧٦، المحاسن، أحمد بن محمد بن خالد البرقي، ج ٢، ص ٤١٤

[9] - غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ٤١٠

[10] - غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ٤١١

[11] - غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ٤٠٩

[12] - غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ٤١٠

[13] - غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ٣٥٨

[14] - غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ٣٥٦

[15] - غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ٣٥٦

[16] - غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ٣٥٨

[17] - غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ١٩١

[18] - غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ٣٥٦


المقال يمثل رأي الكاتب وليس بالضرورة ان يمثل رأي المركز

Facebook Facebook Twitter Whatsapp