إنّ للصدقة آثار كبيرة و عظيمة و بيّنة أحدها في الرزق و السعة، و روي في نهح البلاغة «اسْتَنْزِلُوا الرِّزْقَ بِالصَّدَقَةِ»[1]، كما تروى عن رسول الله (ص)، و الإمامين الصادق و الكاظم عليهما السلام[2].
و المعنى اطلبوا نزول الرزق بالصدقة، أو تصدقوا فينزل الرزق لكم، فإذا أردتم الرزق فقوموا بالصدقة تأتيكم بالرزق، فالصدقة جالبة للرزق.
و في الحكمة بيان للأثر المباشر للصدقة بزيادة الرزق كما بها دعوة و ترغيب في الصدقة و الإنفاق، و إنّ ما ينفقه الإنسان يأتي إليه مضاعفا.
و قريب منه في نهج البلاغة أيضا قوله عليه السلام «إِذَا أَمْلَقْتُمْ فَتَاجِرُوا اللَّهَ بِالصَّدَقَةِ»[3]، أي إذا افتقرتم تصدقوا في سبيل الله فيرزقكم الله أضعافا و يحسن حالكم، و مثله عن الإمام الصادق (ع) «إنّي لأملق أحيانا، فأتاجر الله بالصدقة»[4].
فهي متاجرة مع الله سبحانه و تعالى، يتصدق العبد فيزيده الله أضعافا مضاعفة، قال الله تعالى في كتابه الكريم «مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ»[5].
فالصدقة أحد أقوى أسباب الرزق ، بل «مِفْتَاحَ اَلرِّزْقِ اَلصَّدَقَةُ»[6]، كما في نص الرواية، قال أبو عبد الله لمحمد ابنه: يَا بُنَيَّ كَمْ فَضَلَ مَعَكَ مِنْ تِلْكَ اَلنَّفَقَةِ؟ قَالَ أَرْبَعُونَ دِينَاراً، قَالَ اُخْرُجْ فَتَصَدَّقْ بِهَا قَالَ إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مَعِي غَيْرُهَا، قَالَ تَصَدَّقْ بِهَا فَإِنَّ اَللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يُخْلِفُهَا، أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ مِفْتَاحاً وَ مِفْتَاحَ اَلرِّزْقِ اَلصَّدَقَةُ، فَتَصَدَّقْ بِهَا فَفَعَلَ، فَمَا لَبِثَ أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ حَتَّى جَاءَهُ مِنْ مَوْضِعٍ أَرْبَعَةُ آلاَفِ دِينَارٍ فَقَالَ يَا بُنَيَّ أَعْطَيْنَا لِلَّهِ أَرْبَعِينَ دِينَاراً فَأَعْطَانَا اَللَّهُ أَرْبَعَةَ آلاَفِ دِينَارٍ[7].
و الروايات عنهم عليهم السلام كثيرة في أثر الصدقة على سعة الرزق للمتصدق، روي عن رسول الله (ص) «أكثِرُوا مِن الصَّدَقَةِ تُرزَقُوا»[8]، و «إِنَّ اَلصَّدَقَةَ تَزِيدُ صَاحِبَهَا كَثْرَةً فَتَصَدَّقُوا يَرْحَمْكُمُ اَللَّهُ»[9]، و «الصَّدَقَةُ مَثْرَاةٌ لِلْمَالِ»[10]، و «المالُ يَزيدُ بِالصَّدَقَةِ»[11]، و عن أمير المؤمنين (ع) «بَرَكَةُ المالِ فِي الصَّدَقَةِ»[12]، و عن الإمام الباقر (ع): «الزكاة تزيد في الرزق»[13].
فإذا ما تيقن الإنسان بأنّ الصدقة تجلب الرزق فإنّ نفسه تجود بالعطاء و لا يتردد في الإنفاق مطلقا و إخراج الصدقات ليقينه بأنّ ما ينفقه سيرجع إليه مضاعفا، و في نهج البلاغة «مَنْ أَيْقَنَ بِالْخَلَفِ جَادَ بِالْعَطِيَّةِ» و الخلف هو البدل و العوض، قال الله تعالى في كتابه الكريم: «وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ»[14]، و « إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ»[15]، و المراد بإقراض الله هو الإنفاق في سبيله و القرض الحسن هو المال المنفَق، و في عدد من الآيات بهذا المعنى و أنّ الله سبحانه و تعالى يضاعف ما ينفقه العبد.
و هذا يحتاج إلى الإيمان بالله و الثقة به و التوكل عليه، و لو عمل المسلمون عامة بهذه الآيات و الروايات و انتشرت هذه العقيدة -في الإنفاق و مضاعفة الثواب للمنفق- في قلوب المسلمين لتغير المجتمع الإسلامي و ارتقى في تضامنه و مواساته و لَأَثْمر هذا التعاون و التآزر قوة اجتماعية كبيرة و لما بقى فقير فيه قط.
و الصدقة و الزكاة بمعنى واحد و الفرق بينهما كما يذكر الشيخ الطوسي في مجمع البيان أنّ الزكاة لا تكون إلا فرضا، و الصدقة قد تكون فرضا، وقد تكون نفلا[16]. و الإنفاق يشملهما معا.
و في خطبة السيدة الزهراء سلام الله عليها بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه و آله: «فجعل الله ... الزكاة تزكية للنفس ، ونماءً في الرزق»[17]. و في نهج البلاغة «فَرَضَ اللَّهُ .. الزَّكَاةَ تَسْبِيباً لِلرِّزْقِ»[18].
و روي في نهج البلاغة و كتب الحديث «حَصِّنُوا أَمْوَالَكُمْ بِالزَّكَاةِ»[19]، أي تجعل الأموال محصنه و تقيها من المكاره و التلف بإخراج الزكاة.
فلا يتوهم أحدٌ أنّ الصدقة و الزكاة تقلل أو تنقص المال ، و روي عن النبي (ص) «ما نَقَصَ مالٌ مِن صَدَقَةٍ»[20]، «ما حبس عبد زكاة فزادت في ماله»[21]، و عن الإمام الصادق (ع) «مَا مِنْ رَجُلٍ أَدَّى الزَّكَاةَ فَنَقَصَتْ مِنْ مَالِه، و لَا مَنَعَهَا أَحَدٌ فَزَادَتْ فِي مَالِه»[22].
بل هي تزيد في المال و تنميه و تنفي الفقر و تزيد العمر، و روي عن الإمام الباقر (ع) «الْبِرُّ و الصَّدَقَةُ يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ ويَزِيدَانِ فِي الْعُمُرِ و يَدْفَعَانِ مِيتَةَ السَّوْءِ»[23]، و عن الإمام الصادق (ع): «إِنَّ اَلصَّدَقَةَ تَقْضِي اَلدَّيْنَ وَ تَخْلُفُ بِالْبَرَكَةِ»[24].
و ذكر فما يورث الغِنى و السَعَة و ينفي الفقر الصدقة، و الضيافة، و إطعام الطعام، و السخاء، و ذكر فيما يورث الفقر شدة الحرص، و البخل، و الاحتكار، وحبس الدين، وحبس الحقوق، ومنع الزكاة، و الكسب الحرام، و أكل الربا.
و كان الإمام زين العابدين عليه السلام يكرر الدّعاء بالمواساة من قتّر عليه في رزقه، أحدها في الصلوات الشعبانية في الصحيفة السجادية:
اللهُمَّ صلِّ على محمَّدٍ وآلِ محمَّدٍ ..و ارْزُقْني مُواساةَ مَنْ قَتَّرْتَ عليهِ من رِزْقِكَ بما وَسَّعْتَ عليَّ من فضلِكَ ونَشَرْتَ عليَّ منْ عدْلِكَ.
[1] - نهج البلاغة ،حكمة 137
[2] - نهج البلاغة ،حكمة 137، قرب الإسناد، الحميري، ص 118، الكافي، الكليني، ج4، ص10، من لا یحضره الفقیه، الصدوق، ج2، ص 66، ص 416، الخصال، الصدوق،،ج2، ص610، وسائل الشیعة ، الحر العاملي، ج9، ص370
[3] - نهج البلاغة: الحكمة 258
[4] - بحار الأنوار- العلامة المجلسي- ج75- ص206، كشف الغمة - ابن أبي الفتح الإربلي- ج2- ص205، ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 2 - ص 1596
[5] - سورة البقرة، آية 261
[6] - الکافي، الكليني، ج4، ص9، بحار الأنوار،المجلسي، ج47ن ص38، و ج93،ص134، وسائل الشیعة، الحر العاملي، ج9، ص369
[7] - المصدر السابق.
[8] - أعلام الدين- الديلمي- ص333، ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج2 - ص1596
[9] - الکافي، الكليني، ج2، ص 121، الكافي - الشيخ الكليني - ج 4 - ص 9 (تصدقوا رحمكم الله)، ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 2 - ص 1596
[10] - عوالي اللئالي العزيزية في الأحاديث الدينية، ابنابیجمهور، ج3، ص113
[11] - حكم النبي الأعظم ( ص )، ج ٣، محمد الريشهري، ص ٤٤٨ عن فردوس الأخبار : ج 2 ص 162 ح 2363 .
[12] - غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ٣١٢
[13]- بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 93 - ص 14، ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 2 - ص 1074
[14] - سورة سبإ، آية 39
[15] - سورة التغابن، آية 17
[16] - تفسير مجمع البيان - الشيخ الطبرسي - ج 2 - ص 197
[17] - بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 29 - ص 223
[18] - نهج البلاغة، حكمة 252
[19]- نهج البلاغة، حكمة 146،الكافي - الشيخ الكليني - ج 4 - ص 61، من لا يحضره الفقيه - الشيخ الصدوق - ج 2 - ص 4، الاختصاص - الشيخ المفيد - ص 335، بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 93 - ص 20، وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي - ج 9 - ص 24
[20] - من لا یحضره الفقیه، الصدوق، ج4ن ص 381، بحار الأنوار،المجلسي، ج93، ص131،
[21] - الكافي - الشيخ الكليني - ج 3 - ص 506
[22] - الكافي - الشيخ الكليني - ج 3 - ص 504، من لا يحضره الفقيه - الشيخ الصدوق - ج 2 - ص 11
[23] - مكارم الأخلاق - الشيخ الطبرسي - ص 136، و في رواية تسعين ميتة السوء، و أخرى سبعين ميتة السوء ، وفي خبر آخر: ويدفعان عن شيعتي ميتة السوء، الكافي - الشيخ الكليني - ج 4 - ص 2، موسوعة أحاديث أهل البيت (ع) - الشيخ هادي النجفي - ج 8 - ص 497،
[24] - الكافي - الشيخ الكليني - ج 4 - ص 9 ، ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 2 - ص 1597
المقال يمثل رأي الكاتب وليس بالضرورة ان يمثل رأي المركز