في بيان عظمة أهل البيت و منزلتهم و فضلهم، قال أمير المؤمنين عليه السلام «فَإِنَّا صَنَائِعُ رَبِّنَا وَ النَّاسُ بَعْدُ صَنَائِعُ لَنَا». نهج البلاغة – كتاب 28
وردت هذه العبارة في نهج البلاغة في كتاب أرسله أمير المؤمنين عليه السلام إلى معاوية بن ابي سفيان.
و ورد أيضا في نفس الكتاب قوله عليه السلام يخاطب معاوية «وَ مِنَّا النَّبِيُّ وَ مِنْكُمُ الْمُكَذِّبُ، وَ مِنَّا أَسَدُ اللَّهِ وَ مِنْكُمْ أَسَدُ الْأَحْلَافِ، وَ مِنَّا سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَ مِنْكُمْ صِبْيَةُ النَّارِ، وَ مِنَّا خَيْرُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ وَ مِنْكُمْ حَمَّالَةُ الْحَطَبِ، فِي كَثِيرٍ مِمَّا لَنَا وَ عَلَيْكُمْ، فَإِسْلَامُنَا قَدْ سُمِعَ وَ جَاهِلِيَّتُنَا لَا تُدْفَعُ».نهج البلاغة-كتاب 28
وقد وردت هذه الجملة في كتاب لوليّ العصر (عج) إلى الشيعة قال (ع): «بِسمِ اللَّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، عافانَا اللَّهُ وإيّاكُم مِنَ الفِتَنِ،..، إلى أن يقول.. وَالحَقُّ مَعَنا فَلَن يوحِشَنا مَن قَعَدَ عَنّا، ونَحنُ صَنائِعُ رَبِّنا ، وَالخَلقُ بَعدُ صَنائِعُنا». الاحتجاج،ج٢ص٢٧٨
و المعنى في «فإنّا صنائع ربّنا» أي نحن اصطفانا الله مباشرة واختارنا لدينه دون واسطة أحد من الناس، و بعد ذلك و بواسطتنا اهتدى الناس «وَ النَّاسُ بَعْدُ صَنَائِعُ لَنَا»، فليس لأحد من البشر علينا نعمة بل اللّه هو الّذي أنعم علينا و ليس بيننا وبينه واسطة، و النّاس بأسرهم صنائعنا فنحن الواسطة بينهم و بين اللّه تعالى.
و في الرواية إنّ الله يهيّئ عبده عند اختياره، عن الإمام الرضا (ع): « وَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اخْتَارَهُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - لِأُمُورِ عِبَادِهِ، شَرَحَ صَدْرَهُ لِذلِكَ، وَأَوْدَعَ قَلْبَهُ يَنَابِيعَ الْحِكْمَةِ، وَأَلْهَمَهُ الْعِلْمَ إِلْهَاماً، فَلَمْ يَعْيَ بَعْدَهُ بِجَوَابٍ، وَلَا يُحَيَّرُ فِيهِ عَنِ الصَّوَابِ، فَهُوَ مَعْصُومٌ مُؤَيَّدٌ، مُوَفَّقٌ مُسَدَّدٌ، قَدْ أَمِنَ مِنَ الْخَطَأِ وَالزَّلَلِ وَالْعِثَارِ، يَخُصُّهُ اللَّهُ بِذلِكَ لِيَكُونَ حُجَّتَهُ عَلى عِبَادِهِ، وَشَاهِدَهُ عَلى خَلْقِهِ، وَ (ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ، وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)».سورة الجمعة:4، المصدر: الکافي،ج1ص198.
و الضمير بصيغة الجمع «فَإِنَّا صَنَائِعُ رَبِّنَا وَ النَّاسُ»، يعني أّنهم عليهم السلام جميعهم حجج اللَّه و الرواية مروية عن أمير المؤمنين (ع) و الإمام المهدي (عج)، فهم جميعا اصطنعهم اللَّه تعالى لنفسه واصطفاهم بين سائر عباده.
ويعني «فَإِنَّا صَنَائِعُ رَبِّنَا» أيضا أنّهم معصومون.
ومن بلغ هذه المرتبة والمنزلة إكراما من الله تعالى و اصطفاء و جعل النّاس صنائع له لا يساوى بغيره فضلا من أن يفضل عليه، و قد روي عنه عليه السلام في النهج « لَا يُقَاسُ بِآلِ مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وآله) مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَحَدٌ وَ لَا يُسَوَّى بِهِمْ مَنْ جَرَتْ نِعْمَتُهُمْ عَلَيْهِ أَبَداً ». نهج البلاغة – خطبة 2
و الكلام في بيان منزلة و فضل و عظمة أهل البيت عليهم السلام، وفي هذا روايات كثيرة و منها ما روي عن أمير المؤمنين في النهج، قال عليه السلام: « عِتْرَتُهُ خَيْرُ الْعِتَرِ، وَ أُسْرَتُهُ خَيْرُ الْأُسَرِ، وَ شَجَرَتُهُ خَيْرُ الشَّجَرِ، نَبَتَتْ فِي حَرَمٍ وَ بَسَقَتْ فِي كَرَمٍ، لَهَا فُرُوعٌ طِوَالٌ وَ ثَمَرٌ لَا يُنَالُ». نهج البلاغة، خطبة94.
و قال عليه السلام: « نَحْنُ شَجَرَةُ النُّبُوَّةِ، وَ مَحَطُّ الرِّسَالَةِ، وَ مُخْتَلَفُ الْمَلَائِكَةِ، وَ مَعَادِنُ الْعِلْمِ، وَ يَنَابِيعُ الْحُكْمِ». نهج البلاغة،خطبة 109.
وهذه المنزلة و العظمة ذكرها الله في القرآن الكريم، و قد جعل الله الإمام (ع) كنفس النبي (ص) قال تعالى: «فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ».
وفي حديث رسول الله صلى الله عليه و آله بيان منزلة أمير المؤمنين (ع)، قال (ص): «أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى ، إِلاَّ أَنَّهُ لاَ نَبِيَّ بَعْدِي». الأمالي (للطوسی)،ج1ص253
و في تاريخ النبي (ص) كثير من الشواهد على ذلك، و قد روى المسلمون:
«كَانَ لِنَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْوَابٌ شَارِعَةٌ فِي الْمَسْجِدِ. قَالَ: فَقَالَ يَوْمًا: سُدُّوا هَذِهِ الْأَبْوَابَ إِلَّا بَابَ عَلِيٍّ، قَالَ: فَتَكَلَّمَ فِي ذَلِكَ النَّاسُ، قَالَ: فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ :أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أَمَرْتُ بِسَدِّ هَذِهِ الْأَبْوَابِ إِلَّا بَابَ عَلِيٍّ وَ قَالَ فِيهِ قَائِلُكُمْ، وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا سَدَدْتُ شَيْئًا وَلَا فَتَحْتُهُ، وَلَكِنِّي أُمِرْتُ بِشَيْءٍ فَاتَّبَعْتُهُ». مسند أحمد بن حنبل،ج ٣٢،ص41، السنن الكبرى للنسائي،ج٥ص ١١٨، المستدرك للحاكم النيسابوري،ج3ص125، و رواه الصدوق في الأمالي،ص ٤١٣.
و في زواج فاطمة الزهراء (ع) من أمير المؤمنين (ع) قال رسول الله (ص) «مَا أَنَا زَوَّجْتُهُ وَ لَكِنَّ اَللَّهَ زَوَّجَهُ». تاريخ مدينة دمشق،ج٤٢ص١٢٦، تاريخ اليعقوبي،ج2ص41، وسائل الشیعة،ج20ص92.
فأئمة أهل البيت (ع) نعمة الله على الخلق، و هم النّعيم، كما في الروايات عنهم عليهم السلام، و في تفسير النعمة في قوله تعالى «يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا»، سورة النحل:38، قال الإمام الصادق عليه السلام في تفسير القمي «نحنُ واللهِ نعمةُ اللهِ التي أنعمَ اللهُ بها على عبادهِ وبنا فازَ من فازَ». تفسير القمي، ج ١، ص ٣٨٨
و في النّعيم في قوله تعالى «ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيم»، سورة التكاثر:8 ، قال الإمام الصادق عليه السلام «نَحْنُ أَهْلَ اَلْبَيْتِ اَلنَّعِيمُ اَلَّذِي أَنْعَمَ اَللَّهُ بِنَا عَلَى اَلْعِبَادِ». بحار الأنوار،ج63ص315
و في الرواية نفسها قال عليه السلام «.. وَ بِنَا هَدَاهُمُ اَللَّهُ لِلْإِسْلاَمِ وَ هِيَ اَلنِّعْمَةُ اَلَّتِي لاَ تَنْقَطِعُ وَ اَللَّهُ سَائِلُهُمْ عَنْ حَقِّ اَلنَّعِيمِ اَلَّذِي أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ وَ هُوَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ عِتْرَتُهُ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ». بحار الأنوار،ج63ص315
و لمعرفة سياق الكلمة فهذا قسم من الخطبة موضوع المقال، و هو :
«أَ لَا تَرَى غَيْرَ مُخْبِرٍ لَكَ وَ لَكِنْ بِنِعْمَةِ اللَّهِ أُحَدِّثُ أَنَّ قَوْماً اسْتُشْهِدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَ الْأَنْصَارِ وَ لِكُلٍّ فَضْلٌ حَتَّى إِذَا اسْتُشْهِدَ شَهِيدُنَا قِيلَ سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ وَ خَصَّهُ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) بِسَبْعِينَ تَكْبِيرَةً عِنْدَ صَلَاتِهِ عَلَيْهِ، أَ وَ لَا تَرَى أَنَّ قَوْماً قُطِّعَتْ أَيْدِيهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ لِكُلٍّ فَضْلٌ حَتَّى إِذَا فُعِلَ بِوَاحِدِنَا مَا فُعِلَ بِوَاحِدِهِمْ قِيلَ الطَّيَّارُ فِي الْجَنَّةِ وَ ذُو الْجَنَاحَيْنِ، وَ لَوْ لَا مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ مِنْ تَزْكِيَةِ الْمَرْءِ نَفْسَهُ لَذَكَرَ ذَاكِرٌ فَضَائِلَ جَمَّةً تَعْرِفُهَا قُلُوبُ الْمُؤْمِنِينَ وَ لَا تَمُجُّهَا آذَانُ السَّامِعِينَ، فَدَعْ عَنْكَ مَنْ مَالَتْ بِهِ الرَّمِيَّةُ فَإِنَّا صَنَائِعُ رَبِّنَا وَ النَّاسُ بَعْدُ صَنَائِعُ لَنَا، لَمْ يَمْنَعْنَا قَدِيمُ عِزِّنَا وَ لَا عَادِيُّ طَوْلِنَا عَلَى قَوْمِكَ أَنْ خَلَطْنَاكُمْ بِأَنْفُسِنَا فَنَكَحْنَا وَ أَنْكَحْنَا فِعْلَ الْأَكْفَاءِ وَ لَسْتُمْ هُنَاكَ، وَ أَنَّى يَكُونُ ذَلِكَ وَ مِنَّا النَّبِيُّ وَ مِنْكُمُ الْمُكَذِّبُ وَ مِنَّا أَسَدُ اللَّهِ وَ مِنْكُمْ أَسَدُ الْأَحْلَافِ وَ مِنَّا سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَ مِنْكُمْ صِبْيَةُ النَّارِ وَ مِنَّا خَيْرُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ وَ مِنْكُمْ حَمَّالَةُ الْحَطَبِ فِي كَثِيرٍ مِمَّا لَنَا وَ عَلَيْكُمْ فَإِسْلَامُنَا قَدْ سُمِعَ وَ جَاهِلِيَّتُنَا لَا تُدْفَعُ».نهج البلاغة، كتاب28.
مصادر: القرآن،تفاسير القرآن،كتب الحديث،نهج البلاغة،شروح نهج البلاغة.
اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد الاَوْصِياءِ الرّاضينَ المَرْضِيّينَ بِاَفْضَلِ صَلَواتِكَ وَبارِكْ عَلَيْهِمْ بِاَفْضَلِ بَرَكاتِكَ، و الحمد لله ربّ العالمين وصلِّ اللهم على محمد و آله الطاهرين.
المقال يمثل رأي الكاتب وليس بالضرورة ان يمثل رأي المركز