هذه جملة مشهورة و ذكرها علماء الدين و مفكرين في خطبهم وكلماتهم، و اصبحت شعار و صرخة بوجه الظالمين، و هذا الشعار يشير إلى أنّ الصراع بين الحق و الباطل مستمر في كل الأزمنة و الأمكنة، و كربلاء وعاشوراء هي أبرز محطات سلسلة الصراع الدائم و المتواصل، و أنّ على أهل الحق مناصرة الحق و مجابهة الباطل في كل زمان و في كل مكان.
وهذه الجملة ليست رواية أو قسما من رواية عن الأئمة عليهم السلام بل نقلت متأخرة عن العصور الهجرية الأولى، و في روايات عصر الظهور ذكر انتشار الظلم و الجور و انعدام الأمن و كثرة الحروب، حتى يخرج الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه فيملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا.
و قد ذكر قريب منها في الشعر العربي في عدة مواضع لعدد من الشعراء:
فقد ذكر أنّ محمد بن سعيد الصنهاجي البوصيري (ت: 696هـ) أنشد في أحد أبياتها:
فابكهمْ ما استطـــعتَ إِنَّ قَلِيلاً في عظيمٍ منَ المُصَابِ البُكاءُ
كُلَّ يومٍ وَ كلُّ أَرضٍ لـــكربِي منهمُ كربلاء وعــــاشوراءُ
أي لكربي و حزني و غمي فيهم أرى كل يوم عاشوراء و كل أرض كربلاء
و الشاعر الشيخ عبد الحسين الأعسم النجفي (ت: 1247هـ)
يا وَقعَةَ الطَفِّ كَم أّوقَدتِ في كَبِدِي وَطِيسَ حُزنٍ لِيومِ الحَشرِ مَسْجورَا
كَأنَّ كُلَّ مَكانٍ كَربَلاءُ لَدَى عَيني وَ كُلَّ زَمَانٍ يَومُ عَاشُورَا
و ذكرها السيد مهدي القزويني (ت 1300هـ) في أحد أبيات قصيدة له:
أشاهدُ عاشوراءَ في كلّ ساعةٍ وفي كلّ أرضٍ كربلاء و مشهدا
و ذكر معنى كل يوم كربلاء في شعر عبد المطلب الأمين، كما في موسوعة أعيان الشيعة للسيد الأمين، حيث قال:
نجيعك هذا الحسين الجديد ففي كل يوم كربلاء
وفي كل يوم لنا كربلاء وفي كل يوم كربلاء
نجيعك هذا العلي البليغ فنهج البلاغة نهي الآباء
و وردت على لسان العديد من العلماء و المفكرين، واستعملها الإمام الخميني (ق.س.) في عدة خطابات و مناسبات.
و المعنى في العبارة ليس الانطباقي (بمعنى ليست كل أرض كربلاء بل كربلاء تلك التي في العراق و استشهد فيها الحسين عليه السلام، و ليس كل يوم عاشوراء، فعاشوراء يوم شهادة الإمام الحسين عليه السلام و أولاده و أصحابه، و هو يوم عظيم في التاريخ الإنساني، و تاريخه الهجري 1 محرم 61).
و يمكن تفسير كلام العلماء عنها بعدة بيانات، منها :
- وجوب مبارزة الظلم و الاستكبار على الدوام، في كل زمان و مكان في عدة خطب للإمام الخميني.(الموسوعة الإلكترونية لمدرسة أهل البيت ويكي شيعة).
- يجب في كل زمان و في كل مكان أن يقف الحق و أصحاب الحق ضد الباطل و اهل الباطل و يصارعه و يصرعه.
- و ممكن بيان العبارة بأنّ من بركات الثورة الحسينية استمراريتها، ففي كل يوم و في كل أرض يتم التزود من عطاء الثورة و استلهاما منها في مقارعة الباطل و نصرة الحق.
- و أنّ قيّم الحسين و عاشوراء تتجدد في كل العصور و والدهور و كل البقاع و الأمكنة، وكل زمن به ظلم و كل بقعة بها ظلم.
- و أنّ أرض كربلاء قدوة لكل بقاع و أمكنة الأرض، و في كل مكان صراع بين الحق و الباطل، و أنّ يوم عاشوراء قدوة لكل المجاهدين و المناضلين.
- إنّ الامتحان و الاختبار يجري في كل مكان و زمان، فكل يوم هو يوم ابتلاء و امتحان و اختبار، و كل بقعة و أرض هي محل للإبتلاء و الامتحان و الاختبار، و أنّ يوم عاشوراء يوم ابتلاء و امتحان أعظم، و أرض كربلاء محل ابتلاء و امتحان أعظم.
و العبارة بها حيثية الاستنهاض و القيام و نصرة الحق، و هذا سياقها العام، و رفض التفرج و الجلوس على التل و الحياد، أو خذلان الحق.
و قد تُقال و تُكرر حين توالي المصائب على منطقة واحدة، و يقتل رجالهم و نساؤهم و اطفالهم، فيقال هذه كربلاء أو كربلاء العصر، فلا يريدون المطابقة و لكن التقريب لكثرة المصائب و عظمتها.
و في المقولة حيثية مناصرة الحق و خذلان الباطل، كما هي دعوة أهل البيت عليهم السلام في مناصرة الحق و مجابهة الباطل، و عدم الجلوس على الحياد و التفرج كما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة في حكمتين منفصلتين قوله عليه السلام « خَذَلُوا الْحَقَّ وَ لَمْ يَنْصُرُوا الْبَاطِلَ» حكمة 18، و «لَمْ يَنْصُرَا الْحَقَّ وَ لَمْ يَخْذُلَا الْبَاطِلَ» حكمة 262.
و في القرآن و الروايات عنهم عليهم السلام تفضيل أزمنة على أخرى كيوم الجمعة، و شهر رمضان، و ليلة القدر، و كذلك يذكر في تفضيل ساعات اليوم الواحد على ساعات أخرى فيه.
و تفضيل أمكنة على أخرى كمكة و البيت الحرام و مشاهدهم الشريفة عليهم السلام.
كما أنّ هناك تفضيل لبعض الأعمال على الأخرى، و أحد فصول الأذان و الإقامة هو «حيّ على خير العمل». و في عدد كبير من الروايات ذكر خير الأعمال و أفضل الأعمال ، و أنّ الولاية خير العمل.
و في الروايات في نفي تعادل الأزمنة و الأيام، و ليس مثل عاشوراء يوم، ما يروى في شهادة الإمام الحسن عليه السلام بعد أن سقي السم، في مرضه و حضور الإمام الحسين عنده، قال الإمام المجتبى عليه السلام «إِنَّ اَلَّذِي يُؤْتَى إِلَيَّ سَمٌّ يُدَسُّ إِلَيَّ فَأُقْتَلُ بِهِ، وَ لَكِنْ لاَ يَوْمَ كَيَوْمِكَ يَا أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ يَزْدَلِفُ إِلَيْكَ ثَلاَثُونَ أَلْفَ رَجُلٍ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ مِنْ أُمَّةِ جَدِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ ...» الأمالی (للصدوق)،ج1ص115.
و وردت على لسان الإمام زين العابدين عليه السلام حينما وقع بصره يوما على ولد العباس عليه السلام فبكى، وذكر يوم أُحُد يوم شهادة الحمزة، وذكر معركة مؤتة يوم شهادة جعفر بن أبى طالب ثم قال «لا يوم كيوم الحسين إذ لف إليه ثلاثون ألف رجل يزعمون أنهم من هذه الأمة كلّ يتقرب إلى الله عزّ وجلّ بدمه وهو بالله يذكّرهم فلا يتّعظون حتى قتلوه بغياً وظلماً وعدواناً». الأمالی (للصدوق)،ص462
و المعنى هنا إنّ مصائب آل البيت مؤلمة ومريرة إلاّ أنّ ما جرى في كربلاء يعد أكثرها ألما ومرارة.
و في الروايات في نفي تعادل الأمكنة و البقاع ما يروى عن أفضلية أرض كربلاء و عظمتها و أنّها حرمٌ آمن، و روضة من رياض الجنّة، و مرور الأنبياء (ع) عليها و كلام الأئمة (ع) عنها، و استحباب السجود في الصلاة على تربتها، و اتّخاذ مسبحة منها، الاستشفاء بها، فليست الأراضي الأخرى مثلها.
و رحم الله الشاعر السيد صالح القزويني حين قال:
مولى بتربته الشفاءُ وتحت قبته الدعا من كل داعٍ يسمعُ
فيك الإمام أبو الأئمةِ و الذي هو للنبوةِ والإمامةِ مجمعُ
و تستعمل الجملة (كل أرض كربلاء و كل يوم عاشوراء) في الخطابة الحسينية و المنبر الحسيني كطريقة انتقال من المحاضرة إلى مصيبة الحسين و النعي، و في مجالس الفواتح التي تقام للمتوفين، حيث يراد منها تطييب الخواطر ومواساة المفجوعين، ببيان أنّ المصائب مهما كانت شديدة فهي تهون بمقارنتها مصيبة كربلاء.
المقال يمثل رأي الكاتب وليس بالضرورة ان يمثل رأي المركز