للباحث (حيدر الرماحي)
من البديهي ان العقائد الدينية لابد ان تكون مسنودة ومؤسس لها بتشريع حتى لا تقع ضمن دائرة البدع.
وزيارة الأربعين للإمام الحسين "عليه السلام" هي من أبرز الزيارات حجماً وفضلاً فلا بد ان يكون لها تأسيس شرعي وعملي من قبل أهل البيت "عليهم السلام"، وقد تميز المذهب الشيعي بأنه يعتمد الدليل، وهذه احدى عناصر قوة الشيعة انهم يبحثون ويدققون عن التاريخ والتأسيس والسند الشرعي، وبذلك حافظوا على المذهب من الضياع والبدع من خلال المؤسسة الدينية "الحوزة العلمية" وعلمائهم.
وفي هذ الباب من الدراسة، سنسلط الضوء على تأسيس زيارة الاربعين من خلال قراءة التاريخ وموقف اهل البيت "عليهم السلام" منها، وسوف تتضح الصورة بشكل أكبر بكل ما يخص هذه الشعيرة المباركة من حيث السند والبعد التاريخي والآثار الاجتماعية والثقافية والاعلامية والدينية والسياسية خلال السلسلة التي سنقدمها بشكل مبسط ومقتضب وتنسجم مع الفهم العام لجميع المتابعين ومن خلال الحلقات اللاحقة بإذن الله.
وسنقدم هذه البحوث بمصادرها للاستفادة منها من قبل الباحثين.
واما عن عنوان هذه الحلقة فقد ورد في تأسيس هذه الزيارة في المشهور من الروايات ان الصحابي الجليل جابر ابن عبد الله الانصاري "ره" (1)، وعطية العوفي "ره" (2)، هما أول من زار قبر الامام الحسين "عليه السلام" بعد استشهاده وصادفت الزيارة في العشرين من شهر صفر.
وروي ان في يوم العشرين من شهر صفر كان رجوع وعودة حرم الامام الحسين "عليه السلام" الى مدينة الرسول "صلى الله عليه واله وسلم" وهو اليوم الذي ورد فيه جابر بن عبد الله الى زيارة الحسين "عليه السلام"، وهو اول من زار من الناس (3).
وتؤكد الروايات المسندة كما ينقل ابن طاووس القول: قال الراوي لما رجعت نسائه وعياله من الشام وبلغوا العراق قالوا للدليل مر بنا على طريق كربلاء، فوصلوا الى موضع المصرع فوجدوا جابر ابن عبد الله الانصاري "رض" وجماعة من بني هاشم ورجال من ال رسول الله "صلى الله عليه واله وسلم" قد وردوا لزيارة قبر الامام الحسين "عليه السلام" فوافوا وقت واحد وتلاقوا بالبكاء واقاموا المأتم (5)
ويقول الكفعمي "ره"، "إنما سميت بزيارة الاربعين وذلك لأن وقتها يوم العشرين من شهر صفر، اي بمعنى مرور 40 يوم على شهادة الامام الحسين (عليه السلام) وهو اليوم الذي ورد فيه جابر ابن عبد الله الانصاري لزيارة الامام الحسين (عليه السلام) قاصداً اياه من المدينة وكان اول من زار من الناس، وفي ذلك اليوم كان رجوع حرم الامام الحسين من الشام الى المدينة (6).
وعلى أية حال ورغم اختلاف الروايات في قضية وصول الامام السجاد "عليه السلام" وعيال الامام الحسين "عليه السلام" الى كربلاء في يوم العشرين من صفر، حيث ينقسم الرواة بين من يثبت ومن ينفي ذلك أستطيع ان اشير الى ان من اسس هذه الزيارة عملياً هو الامام السجاد "عليه السلام" والصحابي الجليل جابر ابن عبد الله الانصاري، فيما اسس لها اهل البيت "عليهم السلام" عقائدياً وروحياً وفكرياً من حيث الإشارة لفضل الزيارة في هذا اليوم المبارك، ودعوتهم المؤكدة فيها، وقد وردت عنهم الروايات والاحاديث المسندة بفضلها حتى اعتبروها واحدة من ثلاث لعلامات المؤمن، وسنقدم في الحلقة القادمة جملة من الروايات والاحاديث بهذا الشأن.
وأما بروز المشي في زيارة الاربعين كظاهرة منتظمة فإنها ظهرت في العصر الحديث في اواسط القرن التاسع عشر الميلادي بأفراد ينطلقون من مدينة النجف الاشرف الى مدينة كربلاء المقدسة مشياً على الاقدام لمدة اربعة ايام، بمعدل 20 كيلو متر في اليوم الواحد (7).
يتبع..
المصادر:
1- جابر بن عبد الله الانصاري(رض) صَحِبَ رسول الله(ص)، وصحب امير المؤمنين(ع)، وصحب كذلك كل من الامام الحسن والامام الحسين والامام علي ابن الحسين وأدرك الامام محمد الباقر (عليهم السلام)، توفي في عام 78هـ بالمدينة المنورة وعمره 94سنة.
2- عطية العوفي هو أحد رجال العلم والحديث، توفي سنة 111 هـ، وكان محدثاً فقهياً مفسراً شيعياً جليلاً.
3- الحر العاملي، وسائل الشيعة، ط2، قم المقدسة، إيران، ج14، ص478-479.
4- علي بن موسى ابن طاووس، اللهوف في قتلى الطفوف، ط1، مؤسسة الاعلمي للمطبوعات، بيروت، 1993، ص114.
5- محمد باقر المجلسي، ملاذ الاخيار في فهم الاخبار، تحقيق السيد مهدي الرجوي، مطبعة الخيام، قم المقدسة، 1407هـ، ص302-303.
6- علي المؤمن، النجف الاشرف ركيزة مراسيم اربعينية الامام الحسين (عليه السلام)، بحث منشور على الموقع الالكتروني(Annabaa.org).