محاولة تبرئة يزيد من جريمته، وإلقاء تبعاتها على عبيد الله بن زياد خاصة، بوصفه قائداً ومخططاً للمعركة).
غير ان رواية ابن اعثم تؤكد مسؤولية يزيد عن دم الحسين ع اذ حكى: فلما قتل الحسين رضي الله عنه استوسق العراقان جميعا لعبيد الله بن زياد وكانت الكوفة والبصرة لابن زياد من قبله، قال: وأوصله يزيد بألف ألف درهم جائزة، فدعا عبيد الله بن زياد بعمرو بن حريث المخزومي فاستخلفه على الكوفة، ثم صار إلى البصرة فاشترى دار عبد الله بن عثمان الثقفي ودار سليمان بن علي الهاشمي التي صارت السليمان بن علي بعد ذلك، فهدم هما جميعا، ثم بناهما وأنفق عليهما مالا جزيلا وسماهما الحمراء والبيضاء، فكان يشتي في الحمراء ويصيف في البيضاء. قال: ثم علا أمره وارتفع قدره وانتشر ذكره، وبذل الأموال واصطنع الرجال، ومدحته الشعراء.
وتوكيداً على ذلك قال مسافر بن شريح إليشكري الذي التقى ابن زياد
فقال له: أناثم أنت؟ قال: لا كنت أحدث نفسى قلت أفلا أحدثك بما كنت تحدث به نفسك قال هات :قلت كنت تقول ليتني كنت لم أقتل حسينا قال: وماذا قلت تقول ليتني لم أكن قتلت من قتلت قال وماذا قلت تقول ليتني لم أكن لمست البيضاء قال وماذا قلت تقول ليتني لم أكن استعملت الدهاقين قال وماذا قلت تقول ليتني كنت أسخى مما كنت. قال والله ما نطقت بصواب ولا سكت عن خطأ أما قتلي الحسين فإنه أشار على يزيد بقتله أو قتلي فاخترت قتله.
غير خاف على جل الناس أن العائلة الأموية الفاسدة، كانت تعتقد من دون أدنى شكٍّ أنّ في قتل الإمام الحسين (عليه السلام) ال خلاصا من أكبر خطر يحدق بها؛ ليقوض سلطانها، غير أنّ هذه الرؤية سرعان ما انكشف سقمها، لأن ما أورقته شجرة استشهاده الطيّبة من ثمار مباركة، من خلال الثورات التي تلت عاشوراء، عندها أيقنت الطغمة الأموية أنها قد دقت المسمار الأخير في نعشها، وعجّلت نهايتها فراحت تختلق الأعذار الواهية، وتزوّر الوقائع، وتزيف الحقائق التي من شأنها تبرئة الطاغية يزيد من قتل الإمام الحسين الله ، فلا تنتهي من فرية، حتى تختلق أخرى.
وقد ذهبت فرقة من أئمة السوء المسايرين للخط الأموي الى تحريم لعن يزيد بن معاوية (لعنه الله) من دون أي دليل أو سند شرعي أو قانوني سوى عواطفهم الشخصية وما انطوت عليه سرائرهم المشبعة بالأحقاد على البيت النبوي الشريف، وقد انبرت بعض الأقلام للرد على هؤلاء على نحو علمي وبالأدلة الدامغة أمثال ابن الجوزي والتفتازاني وجلال الدين السيوطي والعلامة أبو الثناء الالوسي) ومن المتأخرين العلامة الشيخ باقر شريف القرشي ونعرض هنا جملة من أقوال من أفتى بحرمة لعن يزيد:
قال الغزالي ( ٥٠٥هـ): فإن قيل: هل يجوز لعن يزيد؛ لأنه قاتل الحسين أو أمر به؟ قلنا هذا لم يثبت أصلا، فلا يجوز أن يقال: إنه قتله، أو أمر به، ما لم يثبت، فضلا : اللعنة؛ لأنه لا تجوز نسبة مسلم إلى كبيرة من غير تحقيق.
واضاف ابن الصلاح (ت ٦٤٣هـ) قائلاً: "لم يصح عندنا أنه أمر بقتله - أي الحسين (عليه السلام) -، والمحفوظ أن الأمر بقتاله المفضي إلى قتله "كرمه الله إنما هو عبيد الله بن زياد والي العراق إذ ذاك، وأما سب يزيد ولعنه فليس من شأن المؤمنين".
واما ابن تيمية (ت٧٢٨هـ) الذي عرف بعدائه المقيت لال بيت رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) وشيعتهم فقال: "إن يزيد لم يأمر بقتل الحسين باتفاق أهل النقل ولكن كتب إلى ابن زياد أن يمنعه عن ولاية العراق .. ولما بلغ ذلك يزيد ـ قتل الحسين(عليه السلام) - أظهر التوجع على ذلك، وظهر البكاء في داره، ولم يَسْبِ لهم حريصاً اصلاً، بل كرم اهل بيته، واجازهم حتى ردهم الى بلادهم".
وأضاف ابن تيمة قائلا: "وأما ما ذكره من سبي والذراري والدوران بهم في البلاد، وحملهم على الجمال بغير أقتاب، فهذا كذب وباطل ما سبى المسلمون - والله الحمد - هاشمية قط، ولا استحلت أمة محمد - سبي بني هاشم قط، ولكنّ أهل الهوى والجهل يكذبون نفس الخطى المضللة قال محمد كثيرا، كما تقول طائفة منهم".
اما ابن كثير (ت (٧٧٤هـ) فلم يختلف عن سابقيه بميوله المذهبية وتعصبه الواضح تجاه مخالفيه بالفكر والعقيدة فقال: "وليس كل ذلك الجيش كان راضيا بما وقع من قتله أي قتل الحسين، بل ولا يزيد بن معاوية رضي بذلك ، ولا كرهه، والذي يكاد يغلب على الظنّ، أن يزيد لو قدر عليه قبل أن يقتل، لعفا عنه، كما أوصاه أبوه، وكما صرح هو به مخبرا عن نفسه بذلك.
عن نفسه بذلك. وقد لعن ابن زياد على فعله ذلك وشتمه فيما يظهر ويبدو،ولكن لم يعزله على ذلك، ولا عاقبه، ولا أرسل يعيب عليه ذلك".
بل بعضهم وصلت به درجة الغلو الى القول" إن الحسين قتل بسيف جده كـ (ابن عربي (ت ٥٤٣هـ) وابن خلدون (ت۸۰۸هـ).
بل وأكثر من ذلك ان محمد أبو اليسر عابدين (ت١٢٥٢هـ)، مفتي الشام وامام الحنفية بعصره، صرّح بالقول: «بيعة يزيد شرعية، ومن خرج عليه كان باغيًا، واعتبر أبو الخير الشافعي القزويني أن يزيد إمامًا مجتهدا».
وعلى نفس الخطى المضللة قال محمد الخضري: «إنّ الحسين أخطأ خطاً عظيما في خروجه، هذا الذي جرّ على الأمة وبال الفرقة والاختلاف، وزعزع عماد ألفتها إلى يومنا هذا».
بل اعتقد بعضهم أن ت يزيد (لعنه الله من الصحابة، أو من الخلفاء الراشدين المهديين، أو من الأنبياء.
غير أنّ هذه الآراء المضلله لم تستند الى دليل علمي واضح بقدر ما هي تجني ومجانفة الحقيقة نتيجة حقد واضح ضد آل رسول الله ، والملاحظ ان هذه الكتابات لم تواجه بالتسليم من قبل معاصريهم من العلماء الذين تصدوا لإبطال هذه الشبهات بأدلة شافية " كابن الجوزي (ت ٥٩٧هـ) الذي صنف كتاباً في جواز لعن يزيد سماه (الرّد على المتعصب العنيد المانع من ذمّ يزيد ردّ فيه على عبد المغيث الحربي (ت ٥٨٣هـ)، الذي كان ينهى عن ذلك وغيره ممن أفتى بحرمة لعن يزيد.
ومن أعلامنا المعاصرين الذين تصدوا للرد على هذه الشبهات الباطلة العلّامة الشيخ باقر شريف القرشي في كتابه (حياة الإمام الحسين ) تحت عنوان ( مخاريق وأباطيل).
ولا شك أن للطغمة الأموية الفاسدة، في تسويغها قتل الإمام الحسين الله ولا سيما بهذه الطريقة المفجعة كانت بحاجة إلى ماكنة إعلامية نطاقها واسع وقدراتها كبيرة واساليبها ماكرة فضلاً عن الاحترافية في تزوير الحقائق، وتزييف الوقائع ، واختلاق الأخبار، والأحاديث المكذوبة المصنوعة، وأداتهم في ذلك الرواة من وعاظ السلاطين، ومؤرخيها.
ولا غرابة في ذلك، لأن هؤلاء الرواة تربوا على هذا المنحى، في مدرسة تملي عليهم أنّ الدفاع عن يزيد وظيفة دينية، وتكليف شرعي، لا يجوز التخلف عنه، لذا تجدهم على استعداد تام للدعاية له، وتبرئته من أي جرم أو جناية. لقد كانوا يعتقدون أن يزيد بن معاوية (أمير للمؤمنين)، والتسليم له بالطاعة ،واجب، أكثر من أي شيء آخر، ولا يرون للإمام الحسين ودمه، أي حرمة. وعلى هذا المبنى الخاطئ نجد استمرار ظاهرة التحريف في قضية عاشوراء مع تحديث الأساليب بحسب ما تقتضيه الظروف الزمكانية، وعملوا ما بوسعهم وكرسوا جهودهم لبث هذه الأخبار والأحاديث المكذوبة ونشرها.
عبد الامير القريشي
باحث اسلامي