أيام عاشوراء لها مكانة خاصة بذاكرة المسلمين في العراق وبلدان أخُرى، إذ يحيون سنوياً مراسيم إستشهاد الإمام الحسين (عليه السلام).
لماذا يحيون المسلمين ذكرى عاشوراء الأليمة؟ وما هي المراسيم التي يقيمونها؟
يُعدّ إستشهاد الامام الحسين (عليه السلام)، وأهل بيته في واقعة الطف، منعطفاً هاماً في تحديد المنحى الذي سارت عليه الشعائر الحسينية، الأمر الذي أسهم إلى حد كبير في تشكيل هويتها، فقد مثّل إستشهاد الحسين (عليه السلام) (سنة 61 هجرية - 680 ميلادية)، فاصلاً تاريخياً حرصوا على إحياءه سنوياً لإيصال الدلالات والمعاني التي خرج من أجلها أبا عبد الله الحسين (عليه السلام).
أن رمزية الحدث وعِبَره تجاوزت دائرة الإيمان الديني أو الانتماء الطائفي، امتدت إلى أوساط اجتماعية وسياسية واسعة تقف ضد الظلم وتطالب بالعدالة، مستنيرة بقول الامام الحسين (عليه السلام)، في تلك الواقعة "إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله (صلي الله عليه وآله)".
مراسيم عاشوراء تبدأ في الأول من محرم لتبلغ ذروتها في العاشر منه، فلم تقتصر في العراق بل يجري إحياؤها في العديد من بلدان العالم.
الشعائر الحسينية هوية كربلائية راسخة
تقام خلال الأيام العشرة الأولى من محرم، المجالس الحسينية، بالإضافة إلى المواكب التي تستذكر الحدث عبر البكاء ولطم الصدور للتعبير عن الحزن الذي يلازمهم طيلة حياتهم لفقدانهم ريحانة رسول الله (صلى الله عليه وأله)، فضلاً عن انتشار ليشمل اللباس والرايات الحسينية التي ترفرف بسماء مدينة كربلاء المقدسة.
تقدم المجالس والمواكب الطعام بجميع أصنافه وتعد هذه الشعيرة من أهم الشعائر لدى الذين يؤمنون بأن لمقتل الإمام الحسين (عليه السلام)، دوراً في ترسيخ الدين وديمومة المعتقد، لما يملكه من شاهد للثبات على المبدأ والمطالبة بالحق.
وفي بعض المناطق يتضمن إحياء الذكرى المسرح الحسيني، إذ تقدم عروض تسمى "التشابيه" ويستعرض خلالها أحداث واقعة كربلاء وتجسد شخوصها الرئيسية، بحضور أعداد غفيرة من الجمهور.
الشعائر الحسينية ثبات على النهج وعنوان للهوية
كانت السلطات العراقية إبان حكم المقبور اتخذت إجراءات للحد من ممارسة الشعائر الحسينية في البلاد، لكن إجراءات التضييق تلك لم تكن الأولى من نوعها في التاريخ، فقد تعرضت تلك الشعائر إلى مواقف مشابهة في فترات تاريخية سابقة.
ويشير المؤرخون إلى أن شعائر عاشوراء منعت إبان حكم المماليك (1750م-1831م) الذين حكموا العراق بين منتصف القرن الثامن عشر إلى الربع الأول من القرن التاسع عشر؛ بعد الإطاحة بالمماليك وسقوط داود باشا تولى الحكم علي رضا الذي تطلبت سياسته في ذلك الوقت فسح المجال لإقامة الشعائر الحسينية مما أعطى دافعاً قوياً لتطوّرها وانتشارها فامتدت إقامة المجالس الحسينية إلى المساجد والمدارس الدينية وأضرحة الأئمة (عليهم السلام) .
في عام 1928م حاولت السلطات منع الشعائر الحسينية لكن العراقيين التي تعودت حناجرهم على الهتاف (يا حسين) كسرت طوق المنع وخرجت المواكب لتؤكد إن ثورة الحسين (عليه السلام) لم تكن مجرّد معركة بين فئتين في انعزال عن المجتمع، وبعد سلسلة من المحاولات اليائسة في العهد الملكي للتضييق على تلك الشعائر، عادت مواكب العزاء عام 1958م؛ وفي عام 1968م أظهرت السلطات في بادئ الأمر تسامحاً تجاه العزاء الحسيني في محاولة لاستمالة واحتواء تلك المشاعر لكنها أخذت تمارس التضييق واستخدام القوة المسلحة تدريجياً في محاولات لطمس الشعائر الحسينية عبر القمع والمقابر الجماعية والعلامات التي كانت ترسم على ثياب الزائرين خفية ليتم التعرف عليهم لإعتقالهم أو قتلهم، استمرت محاولات التضييق حتى عام 2003م.
الشعائر الحسينية في ضمائر العراقيين
إن ما شهده العراق عام 2003م مع انهيار النظام البائد إثر دخول القوات الأمريكية المحتلة وحلفائها البلاد، غيّر من الخارطة السياسية والاجتماعية والاقتصادية؛ اكتسبت الشعائر الحسينية مساحة وحرية كافية لإجرائها وإحيائها في مختلف محافظات العراق وفي مدينة كربلاء بشكل خاص.
ومنذ ذلك الحين، أصبحت ممارسة طقوس عاشوراء وغيرها من المناسبات الدينية تجرى بحرية، لكن تلك التجمعات أضحت هدفاً سهلاً للهجمات الانتحارية والتفجيرات التي نفذتها الجماعات الإرهابية في محاولة لطمس تلك الشعائر لكنهم واجهوا أصوات العراقيين وهم ينادون "يا حسين بضمايرنه .. صحنه بيك أمنه".
دور مركز كربلاء للدراسات والبحوث في إحياء الشعائر الحسينية
من الجدير بالذكر إن مركز كربلاء للدراسات والبحوث في العتبة الحسينية المقدسة، دأب على إحياء الشعائر الحسينية، فقد تمكن في عام 2019م على تسجيل ملف الضيافة والكرم على لائحة التراث غير المادي في منظمة اليونسكو العالمية، ومازال يعمل المركز بشكل مستمر على تسجيل باقي الشعائر والحفاظ عليها وإيصالها للبشرية أجمع، كـشعيرة المسرح الحسيني والمشي والفلكلور الحسيني وغيرها من الشعائر التي تعد إرث كربلائي مهم ورسالة عالمية لم ولن تموت مهما إختلفت الأزمان والفترات وأكدت ذلك السيدة زينب الكبرى (عليها السلام) في خطبتها داخل قصر يزيد في الكوفة عندما قالت " والله لن تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا".
بقلم : نور الدين حسين الفتلاوي