لا يوجد شك في أن للقراءة أهمية كبرى لا يُمكن تجاوزها، لذا كَتَبَ الفراعنة على جدار أول مكتبة أنشأوها العبارة التالية: «هذا غذاء النفوس وطِبُ العقول». المعنى واضحٌ قوي، فالقراءة غذاء وعلاج في آن؛ بل هي أساس الحرية الفكرية والسياسية والثقافية، لأنّه يستحيل بناء مُواطِن حر من دون تمكينه من القراءة وسُبل الوصول إلى المَعرفة والعِلم، كما يتعذَر بغيرها صناعة حاضر المجتمع ومستقبله؛ فهي الذاكرة الحضارية ضد النسيان، والسد المنيع ضد أشكال التبعية والاستلاب، ورافِعة التنمية الحقيقية، والرهان الناجح لاحتلال مَوقِعٍ مشرِف بين الأُمم. على أن القراءة لا تنفصل عن عملية الكِتابة، بل هي كِتابة جديدة؛ فهُما مُتصلتان ومُتلازمتان. من هنا يرتبط طرْح قضية القراءة بمسألة الكِتابة، بل قلْ إن مشكلة القراءة في مجتمعاتنا، هي مشكلة كتابة أيضاً. فهل نحن مُجتمع يَكتب؟ ثم متى؟ وماذا؟ ولمن؟ وقبل أي تشخيص لمُشكلة القراءة وربْطها بثقافة المجتمع، نتساءل أيضاً: هل يتعلق الأمر بمجرد ظاهرة عابرة أم مُستوطِنة؟ طارِئة أم مُمتدَة عبر الزمن؟ نحن في الواقع أمام قضية مُركَبة لا تهم بلداً عربياً لوحده، بل العالَم العربي برمته؛ كما أنّها مشكلة المجتمع برمته، إذ تُسائل ثقافته ومؤسساته ومُختلف الفاعلين فيه. فهي ليست مشكلة الجامعة ولا المؤسسة التعليمية وحدها، لأنّ المطلوب أن يقرأ الجميع. يتصل الأمر بذهنية تأسست عبر تاريخٍ من الجمود والتخلُف وهَيمَنة تصور خاص للمعرفة والفكر. وفي مستوى آخر، مسألة إرادة سياسية، لأنّ الدولة مسؤولة عن توفير الماء والكهرباء والصحة عبر قطاعات محدَدة، كما هي مسئولة عن التغذية الفكرية، لأنّنا نعد الكِتاب خبز الثقافة؛ ومثلما نتحدَث عن أمنٍ غذائي، نتحدث عن أمنٍ ثقافي وفكري.
المصدر: www.balagh.com