إنَ أهم ما يُلزم على الإنسان في هذه الحياة بعد العلم بحقيقتها وآفاقها وغاياتها من خلال الإيمان بالله سبحانه ورسله الى خلقه والدار الآخرة هو توعيته لنفسه وتزكيته إياها، بتحليتها بالفضائل وتنقيتها من الرذائل، حتى يتمثل علمه في عمله واعتقاده في سلوكه، فيكون نوراً يستضيء به في هذه الحياة ويسير بين يديه وبإيمانه في يوم القيامة.
أن الله تبارك وتعالى أودع مبادئ اهتداء الانسان وسعادته في نفسه حتى يكون رسولاً في باطنه متهيئاً لتلقي رسالته التي يوحي بها من خلال أنبيائه، فإن تلك المبادئ ترجع قيم فاضلة ينبغي العمل عليها كدستور لحياته، وضمان لسعادته في الدنيا والاخرة، وهي ايضاً مما زرعه سبحانه داخل الانسان في ملكه تسمى بالضمير.
وهذا من عناصر إتمام الحجة عليه في تصديق رسله حيث جاؤوه بما يوافق عقله وتشهد له فطرته كما قال سبحانه في ذكر ما يوجب التصديق برسوله: ((يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ)).
كما انه سبحانه وتعالى جعل في نفس الانسان بحسب طبيعة خلقته وتكوينه نوازع الجهالة والشر، فمن نوازع الجهالة انه يركن إلى عاجل قليل ويعرض من اجله عن آجل كثير، ومن نوازع الشر أنه يميل إلى إرضاء الشهوات على حساب القيم الفاضلة والمعاني النبيلة.
لكنه لم يجعل تلك النوازع قاهرة له سالبة لاختياره، بل جعله قادراً على عدم الاستجابة لها والاندفاع إليها، وبذلك كانت هذه الحياة اختباراً للإنسان بأن يختار بين نداء العقل والفطرة وبين نوازع الجهل والشهوة.
المصدر: أصول تزكية النفس وتوعيتها، محمد باقر السيستاني، ج1، ص72-73.