إنَ أهم ما يُلزم على الإنسان في هذه الحياة بعد العلم بحقيقتها وآفاقها وغاياتها من خلال الإيمان بالله سبحانه ورسله الى خلقه والدار الآخرة هو توعيته لنفسه وتزكيته إياها، بتحليتها بالفضائل وتنقيتها من الرذائل، حتى يتمثل علمه في عمله واعتقاده في سلوكه، فيكون نوراً يستضيء به في هذه الحياة ويسير بين يديه وبإيمانه في يوم القيامة.
...... خلق من صنوف المدركين من خلقه الجن، خلقه خلقاً لطيفاً دون لطف ملائكته ودون كثافة المادة التي منها الانسان فحشره مع ملائكته، مشغولاً بعبادته في نشأة لم يذكر وجود نسل له فيها إلا أنه قد ميزه عنهم بأن جعل في مادته رغبات جامحة قد يخرج بها عن الخنوع لله سبحانه إذا غلبت عليه.
وقد خلق من وراء ذلك هذا العالم المادي بما فيه من بدائع صنعه وروائع خلقته، وهيأ فيه أسباب المعاش من مياه أجرها وشموس أنارها ونباتات أنبتها وحيوانات خلقها ومعادن كونها.
وقد اقتضت حكمته أن ينشئ الكائنات في هذه النشأة خلقاً متدرجاً ينتقل من حال الى حال على وفق سنن وقوانين قننها، إثباتاً لعظيم قدرته وبديع صنعه، نظير خلق الانسان والحيوان من نطفة وخلق النبات من بذرة تنتقل فيها من مرحلة الى أخرى حتى يحصل كماله، ثم يبدأ بالتنازل حتى يفنى.
المصدر: أصول تزكية النفس وتوعيتها، محمد باقر السيستاني، ج1، ص61-62.