من بين المحطات الإسلامية التي يحتضنها شهر رجب الأصب الذي نعيش أجواءه الروحانية العبقة هذه الأيام، والذي وصف بدوره هذا الشهر الفضيل بأنه "نهر في الجنة أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل" ، هي ذكرى إستشهاد راهب آل محمد، الإمام المظلوم موسى بن جعفر الكاظم "عليه السلام" .
ولادته وحياته
ولد الإمام الكاظم (ع) في مدينة جدّه رسول الله "صلى الله عليه وآله" وبالتحديد في قرية "الأبواء" بتاريخ 7 صفر سنة 128 من الهجرة النبوية الشريفة، لوالدين طاهرين هما الإمام جعفر الصادق "عليه السلام"، والسيدة حميدة المصفاة، قد لُقِّبَ بألقاب عدة منها الكاظم، والعابد، وزين المجتهدين، وطبيب بغداد وأسدها، بالإضافة الى "باب الحوائج" الذي يعدٌّ أشهر هذه الألقاب على الإطلاق لما عُرِفَ عن الإمام من الكرامات والمعاجز التي أثبتت أنه حبل من الله والوسيلة إليه، وجعلت أفئدة المؤمنين تهوي إليه خلال حياته المباركة وبعد إستشهاده بمئات السنين "سلام الله عليه".
موقفه من السلطة العباسية
شهد الكاظم "عليه السلام" خلال الفترة التي سبقت إمامته ألواناً من الظلم والعذاب على يد طغاة بني العباس، إلا أنه تعامل مع الأمر بصبر وحكمة وثبات، شأنه في ذلك كشأن أجداده الكرام "عليهم السلام"، حيث عُرِف العباسيون بالبطش والتنكيل لكل مَنْ خالفهم بالرأي، فكيف بأبناء علي وفاطمة "عليهما السلام" من الأئمة المعصومين الذين وفد القاصي والداني على بيوتهم الطاهرة لينهلوا منها العلوم الربّانية والطرق الى الله رغماً عن أزلام السلاطين المزروعين في كل حدبٍ وصوب، حيث مثّلت تلك الحقبة الممتدة خلال إمامة كل من الباقر، والصادق، والكاظم "عليهم السلام"، قفزةً كبرى في التأريخ ونقلةً غير مسبوقة من حيث الكم والنوع فيما يتعلق بتدريس علوم آل محمد ونشرها في الآفاق (1).
إمامته
إستمرت مدة إمامة موسى بن جعفر عليه السلام ما يقرب من (35سنة)، والتي لاقى خلالها صنوفاً من التضييق، والإقامة الجبرية، وكثرة الإعتقال، إلا أنها شهدت في الوقت ذاته، إيداعاً للتراث الجعفري في قلوب وعقول الكثير من طلبته الذين أفلحوا بدورهم في نشر هذا التراث في جميع أصقاع الأرض، مما يكشف وبما لا يدع مجالاً للشك عن أن الإمامة هي منصب إلهي، مسددّ من الباري عز وجل لضرورة إكمال الحجة على الناس، وهديهم سواء السبيل إحقاقاً للحق وللفوز بمغانم الدنيا والآخرة.
وفاته
بعد ما يقرب من سبعة الى أربعة عشراً عاماً قضاها الإمام الكاظم "عليه السلام" بين سجون البصرة وبغداد حسبما ذكر المؤرخون، فقد أقدم جلاوزة الطاغية "هارون اللارشيد" على إنتهاك حرمة شهر رجب الحرام بإغتيال حفيد رسول الله "صلوات الله عليهما" في ظهيرة يوم الجمعة الخامس والعشرين من الشهر الفضيل سنة (183) للهجرة، عبر دس السم في رطبٍ قدم إليه بعد أن بلغ (55) عاماً من عمره الشريف.
فسلام على صاحب السجدة الطويلة، والمعذب في قعر السجون، والساق المرضوض بحلق القيود وهو يستقبل اليوم الملايين من زواره ومحبيه مثلما شاء الله أن ترفع جنازته بالأمس في موكب تشييع مهيب هزَّ بغداد وما جاورها من البلاد بنداء "هلّموا نشيع الطيب أبن الأطياب" في ظل ذلة وخذلان قاتليه وناكري حقه ومقامه الذي إرتضاه الله له ولآبائه الطيبين الطاهرين(2).
المصادر:
(1) أعيان الشيعة: لمؤلفه محسن الأمين، ج2، ص5.
(2) حياة الإمام موسى بن جعفر : لمؤلفه باقر شريف القرشي، ص 51.