إنَ أهم ما يُلزم على الإنسان في هذه الحياة بعد العلم بحقيقتها وآفاقها وغاياتها من خلال الإيمان بالله سبحانه ورسله الى خلقه والدار الآخرة هو توعيته لنفسه وتزكيته إياها، بتحليتها بالفضائل وتنقيتها من الرذائل، حتى يتمثل علمه في عمله واعتقاده في سلوكه، فيكون نوراً يستضيء به في هذه الحياة ويسير بين يديه وبإيمانه في يوم القيامة.
دلت الرسائل الإلهية على أنه تعالى إنما خلق الخلق جميعاً لإرائة قدرته وإدراك عظمته فخلق خلقاً مدركاً، جعلهم على أصناف متعددة من الملائكة والجن والانسان، وجعل لكل منهم قواماً خاصاً وخلق من دونهم خلقاً كثيراً غير ذي إدراك ، مجسداً فيه عظيم قدرته وجليل إبداعه فيدرك هؤلاء من خلالها بعض مظاهر صفاته، مضافاً الى ما يدركونه من الآيات في أنفسهم من خصوصيات خلقتهم وتفاصيل تكوينهم ولينتفع ببعضها الإنسان من بينهم، وقد أكد الله تعالى في رسائله إلى خلقه غايته هذه كما قال تعالى: ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)).
وقد بدأ سبحانه وتعالى – في ما دل عليه ظاهر جملة من النصوص – بخلق ملائكته، خلقهم خلقاً لطيفاً لا كثافة فيه، جبلهم على عبادته والائتمار به والتواضع لقدرته، إذ كانوا بطبيعة خلقهم غير محجوبين عن إدراكه خلواً من نوازع الشهوات التي تؤدي إلى معصيته، فهم يستحضرون جنابه دون حجاب ويستيقنون به وبآياته دون غطاء، لا يلحقهم من عبادتهم سأم ولا يعيقهم ملل، لا يتخلفون عن شيء من قوله ولا ينشغلون بشيء عن حضوره، فكانوا بذلك المثل الأعلى في عبادته كما أراده سبحانه. كما وصف ذلك أمير المؤمنين (عليه السلام).
المصدر: أصول تزكية النفس وتوعيتها، محمد باقر السيستاني، ج1، ص59-60