إنَ أهم ما يُلزم على الإنسان في هذه الحياة بعد العلم بحقيقتها وآفاقها وغاياتها من خلال الإيمان بالله سبحانه ورسله الى خلقه والدار الآخرة هو توعيته لنفسه وتزكيته إياها، بتحليتها بالفضائل وتنقيتها من الرذائل، حتى يتمثل علمه في عمله واعتقاده في سلوكه، فيكون نوراً يستضيء به في هذه الحياة ويسير بين يديه وبإيمانه في يوم القيامة.
رسالة الله تعالى الى خلقه
الحقيقة 2): وجود رسالة من الله سبحانه وتعالى الى خلقه تذكرهم بوجوده وتدلهم على آياته وتبلغهم بحقيقة هذه الحياة وأمدها وما وراءها وسننها وقوانينها. وهذه الرسالة موجهة الى آحاد الناس فرداً فرداً.
ولم يكتفِ الله سبحانه وتعالى برسول واحد، لحكم أهمها أن رسالته كانت تشوه بعد حين من إرساله، من جهة عدم انتشار الكتابة آنذاك بحيث تكون أمراً محفوظاً لا تسمه زيادة ولا نقصان، بل كان بعد رحيل الرسل من يتصرف فيها ويحرفها ويؤولها الى غير جهتها، أو يعرض عليها الفقدان بعوارض الزمان وطوارئ الحديثان، او تختفي معالم أدلة تلك الرسائل وحقانية أصحابها من جهة طول المدة، فتكون قصصاً لا يعلم صدقها ولا يستيقن بواقعية أصلها، لا سيمل في أوساط الاباعد عن مراكز بعث الأنبياء.
حتى إذا تهيأت الأمور لحفظ الرسالة وبقائها ناصعة كما كانت عليه مهما مرَّ عليها الزمان اختار الله سبحانه وتعالى من نسل أنبيائه محمداً صلى الله عليه واله وسلم فختم به الأنبياء وأرسله بآخر رسالة له إلى خلقه، وهي القرآن الكريم، الذي توفرت أسباب حفظه من جهات عدة، أهمها قوة حفظ المجتمع العربي الذي نزل فيه، وانتشاره العام بين عامة أهل الدين لاهتمامهم الكبير بالبلاغة والفصاحة، فأنزله نصاً بليغاً واضحاً حتى يتشوق إليه أهل لغته فلا يختص بقوم من صحابته كما كان حال التوراة والانجيل، فعمت العناية به واشتد حرص عامة الناس عليه حتى كان كل من يدخل في الإسلام يسعى الى تعلمه وحفظه، وقد حفًّز ذلك بنفسه تنمية الكتابة وشيوعها في المجتمع العربي بالرغم من قلتها حتى كتب القرآن من قبل عدد من الصحابة في حياته ثم وحد ما كان قد كتب بعد بضع سنين من رحيل النبي (ص) في مصحف معلن بين المسلمين كلهم لم يزل باقياً، فكان كتاباً محفوظاً مصوناً مما وقع في الكتب السابقة، لم تقع فيه زيادة ولا نقصان، وبذلك انحفظت معالم الدين بما يوجب اليقين لمن بحث عنها منصفاً مخلصاً.
المصدر: أصول تزكية النفس وتوعيتها، محمد باقر السيستاني، ج1، ص55-56.