إنَ أهم ما يُلزم على الإنسان في هذه الحياة بعد العلم بحقيقتها وآفاقها وغاياتها من خلال الإيمان بالله سبحانه ورسله الى خلقه والدار الآخرة هو توعيته لنفسه وتزكيته إياها، بتحليتها بالفضائل وتنقيتها من الرذائل، حتى يتمثل علمه في عمله واعتقاده في سلوكه، فيكون نوراً يستضيء به في هذه الحياة ويسير بين يديه وبإيمانه في يوم القيامة.
تعتمد قوة العقيدة على دعامتين أساسيتين: وضوحها ورسوخها...
أما وضوح العقيدة فهو بخلوها في أصولها من شوائب الضبابية والابهام القادح، فإن مثل هذه الشوائب تؤدي الى ضعف الاعتقاد وعدم استتباعه لأثره.
وأما رسوخها فهو باليقين بها حتى كأنه يشهد ما يعتقد به إن كان غائباً ويحلُّ به إن كان مستقبلاً حتى لا ينشغل بالحال الحاضر ويهمل الغائب والمستقبل.
وليعلم أن الدين ليس عادات وآداباً يقلّد المرء فيها آباءه أو يجري عليها متأثراً بمجتمعه، إنما هو اكتشاف حقيقة هذه الحياة وأبعادها وموقع الإنسان فيها ليعمل على مقتضاها، فلا بد للمرء من أن يطيل التفكير فيها ويكثر التأمل حولها، لاستنطاقها عن باطنها والاهتداء الى واقعها حتى تكون الحقيقة بصيرته التي يتبصر بها طريقه ويستنير بها في سبيله فيكون منها على مثل ضوء الشمس، وإلا ابتلى بعوارض لا مخلص له منها، كأن يبتلي بالشك فيه لأول عارض من شبهة، فإن من دخل الدين بالتقليد خرج منه بمثله، أو يجعل الدين وسيلة للدنيا يستدر بها رزقه، ويعمل وبه ما دام يعود بالنفع عليه، أو يتخذ منه غطاء لنفسياته يصول به على الاخرين، أو يعتقد به فعلاً ولكن باعتقاد واهن لا تظهر عليه آثاره ولا ينتج فيه ثماره. فليسع امرؤ فيها لتوثيق معتقداته وتعميق متبنياته حتى يستحضرها بين جنباته في جميع أحواله، ويستمد منها بصيرة وقوة وعزماً، فلا يجعل يقينه شكاً وعزمه وهناً ولا ينقض ما عقده من بعد أنكاثاً.
المصدر: أصول تزكية النفس وتوعيتها، محمد باقر السيستاني، ج1، ص53.