إنَ أهم ما يُلزم على الإنسان في هذه الحياة بعد العلم بحقيقتها وآفاقها وغاياتها من خلال الإيمان بالله سبحانه ورسله الى خلقه والدار الآخرة هو توعيته لنفسه وتزكيته إياها، بتحليتها بالفضائل وتنقيتها من الرذائل، حتى يتمثل علمه في عمله واعتقاده في سلوكه، فيكون نوراً يستضيء به في هذه الحياة ويسير بين يديه وبإيمانه في يوم القيامة.
قد ينتهي عدم الاكتراث بالشيء على الرغم من إدراكه الى انطفاء النزوع النفسي عن العمل بالإدراك، وقد عُبّر عن هذا المعنى في القرآن الكريم بالرَّين على القلب وانقفاله والختم والطبع عليه، لأن عدم الاعتناء المتكرر بالشيء المدرك قد يؤدي الى انطفاء النزوع النفسي الى الاعتناء به، ومن ثم ربما لا يشعر الإنسان بالتناقض بين ايمانه واحتماله لذلك الشيء وبين عدم الاعتناء به، بل يتراءى له أن عدم الاعتناء به أمر طبيعي تماماً.
وهذه الحالة أو بعض مراتبها تعتبر نحو مرض أخلاقي، لخروج الانسان بها عن مقتضى الاعتدال كما قال سبحانه عن المنافقين ((فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا))، وذلك أن من يستيقن بالحقائق الكبرى في الحياة ويجد أدلتها ولكن يمانع من الإذعان بها وترتيب الأثر عليها في رغبة أو رهبة خارج عن حد الاعتدال بطبيعة الحال، فهو بمن يجد حيواناً مفترساً لا حيلة له دونه ولكنه لا يذعن به او لا يكترث بوجوده إثباتاً لشجاعته.
وقد قال تعالى في نصيحة لنساء النبي(ص): ((إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ)) فسمي انبعاث الشهوة في غير موضعها – بما يؤدي الى طمع الانسان ورجائه في الوصول الى إرضائها في ما لا يحتمل حصوله –ضرباً من المرض.
المصدر: أصول تزكية النفس وتوعيتها، محمد باقر السيستاني، ج1، ص47-48.