إنَ أهم ما يُلزم على الإنسان في هذه الحياة بعد العلم بحقيقتها وآفاقها وغاياتها من خلال الإيمان بالله سبحانه ورسله الى خلقه والدار الآخرة هو توعيته لنفسه وتزكيته إياها، بتحليتها بالفضائل وتنقيتها من الرذائل، حتى يتمثل علمه في عمله واعتقاده في سلوكه، فيكون نوراً يستضيء به في هذه الحياة ويسير بين يديه وبإيمانه في يوم القيامة.
(الحكمة 10): ان الانسان إذا لم يهتم بما يدركه ويتحمله بما يليق ويناسب الحقيقة التي ادركها واحتملها ففي ذلك خروج عن حد السلامة لا محالة، لماعرفت من ان الانسان بفطرته السليمة ينزع الى تقدير كل شيء يدركه بما يليق به، إلا أن يطرأ عليه ما يحول دون ذلك، كما في حالات...
الحالة الأولى: أن تطرأ عليه حالة مرضية نفسية توجب انطفاء هذا النزوع في نفسه كما هو الحال في من يبتلي بمرض الشك والوسوسة، حيث انه يؤدي الى عدم حصول الاستقرار النفسي بالعلم الجازم سواء كان علماً حسياً كأن يرى الشيء ويشك في أنه هو ذاك الشيء أو لا، بلا موجب موضوعي للشك، أو علماً عقلياً كأن يجد الدليل القاطع على شيء ومع ذلك يشك في وجود ذلك الشيء.
وهذا إنما يكون مرضاً إذا كانت حالة مستمرة ومطردةً ولو في بعض الأشياء، كمن لا يستيقن بالطهارة مع الاطلاع على سببها.
ونحوه أن يفترض مثله في سائر مراتب الإدراك إذا لم يوجب نزوعاً مناسباً لها.
وهذه الحالة المرضية يمكن تخفيف بعض مراتبها بالتوعية والعلاجات الطبيعية، ويحتاج بعض مراتبها الى المعالجة بالدواء.
الحالة الثانية: أن تكون هناك رغبات وميول باطنة تزاحم الاستجابة لمقتضى الإدراك.
وحينئذ يكون الإنسان مختاراً بين ترجيح كفة النزوع الى العناية بإدراكه والانسجام معه وبين ترجيح كفة النزوع الى رغباته، فلا بد من مجاهدته للنفس وترويضه لها.
المصدر: أصول تزكية النفس وتوعيتها، محمد باقر السيستاني، ج1، ص46-47.