إنَ أهم ما يُلزم على الإنسان في هذه الحياة بعد العلم بحقيقتها وآفاقها وغاياتها من خلال الإيمان بالله سبحانه ورسله الى خلقه والدار الآخرة هو توعيته لنفسه وتزكيته إياها، بتحليتها بالفضائل وتنقيتها من الرذائل، حتى يتمثل علمه في عمله واعتقاده في سلوكه، فيكون نوراً يستضيء به في هذه الحياة ويسير بين يديه وبإيمانه في يوم القيامة.
وقد زودَ الله سبحانه الإنسان -في جملة ما فطره عليه- حُبً الاستطلاع ليكون عوناً على تحصيل هذا المهم وحافزاً له على البحث عن هذه الحقيقة الأم في الحياة، نظير تزويده إياه بالجوع والعطش والألم عند المرض والضيق قبل قضاء الحاجة تأميناً لبقائه، وبالرغبة في النكاح تأميناً لحفظ نوعه، فالإنسان مزودٌ بحبّ معرفة حقيقة المشهد الذي يعيش فيه وما يغيب عنه وينتظره على ما يدل عليه التأمل في تاريخ الحياة الإنسانية في مختلف بقاع الأرض، فإن جميع العقائد المتعلقة بالآلهة وبمصير الإنسان بعد الموت وبالقيم الروحية تدل على نوازع البحث والاستطلاع في الإنسان عن أبعاد الحياة والوجود.
وعلى هذا الأصل أيضاً يبتني لزوم تزكية الإنسان لنفسه، إذ سبق أن حقيقة التزكية هي اعتبار الإنسان بما يعلمه من الحقائق والقيم وآثارها بحيث يوليه من الاهتمام ما يناسبه، فيتمثل علمه في سلوكه وأفعاله وتصرفاته.
وقد جعل الله سبحانه وتعالى ما يدعم هذه الصفة أيضاً في الإنسان من خلال نزوعه إلى العمل بما يعتقده، وتأنيبه لنفسه في داخله إن خالف ذلك اذ يشعر بالجهل والتناقص في حال المخالفة، وهو نظير نزوعه إلى الصدق وشعوره بوخز الضمير عند الكذب، وقد تقدم ذكر ما ورد من أن ((العلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحال عنه))، والمراد برحليه سلب روح الحكمة منه، الذي هو الطاقة المحفزة التي يتمتع بها العلم بحسب فطرة الإنسان.
المصدر: أصول تزكية النفس وتوعيتها، محمد باقر السيستاني، ج1، ص28