إنَ أهم ما يلزم على الإنسان في هذه الحياة بعد العلم بحقيقتها وآفاقها وغاياتها من خلال الإيمان بالله سبحانه ورسله الى خلقه والدار الآخرة هو توعيته لنفسه وتزكيته إياها، بتحليتها بالفضائل وتنقيتها من الرذائل، حتى يتمثل علمه في عمله واعتقاده في سلوكه، فيكون نوراً يستضيء به في هذه الحياة ويسير بين يديه وبإيمانه في يوم القيامة.
وفي بعض كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) أن الحكمة: ((حياة للقلب الميت، وبصر للعين العمياء، وسمع للأذن الصمّاء، وري للظمآن، وفيها الغنى كله والسلامة))، وقال (عليه السلام) في بعض ملاحمه يصف قوماً: ((تُجلى بالتنزيل أبصارهم، ويرمى بالتفسير في مسامعهم، ويُغبقون كأس الحكمة بعد الصبوح))، وقال (عليه السلام): ((خذ الحكمة أنّى كانت، فإن الحكمة تكون في صدر المنافق فتلجلج في صدره حتى تخرج فتسكن إلى صواحبها في صدر المؤمن))، وقال (عليه السلام): ((الحكمة ضالة المؤمن، فخذ الحكمة ولو من أهل النفاق))، وقال في كلام له يمدح موصوفاً: ((قد لبس للحكمة جُنَّتها، وأخذها بجميع أدبها، من الإقبال عليها والمعرفة بها والتفرغ لها، وهي عند نفسه ضالته التي يطلبها، وحاجته التي يسأل عنها، فهو مغترب إذا اغترب الإسلام، وضرب بعسيب ذنبه، وألصق الأرض بجرانه، بقية من بقايا حجته، خليفة من خلائف أنبيائه))، فعلى كل إنسان أن يكون من طلاب الحكمة الساعين للتفطن فيها والتفقه في دقائقها، المضحين لتحصيلها والعمل بها.
وليعلم أن قانون الحكمة ينطلق بالإنسان من أي مستوى يكون عليه من التعقل والعلم وزكاة النفس وطهارة القلب وحسن السلوك والعمل حتى إذا كان مستواه ضعيفاً، فإنه لا يحتاج إلى تهيؤ سابق، بل يكفي أن يتصف الإنسان من العقل بما يقابل الجنون، ومن الرشد بما يقابل الصبا وعدم التمييز، ومن الانتباه بما يقابل الغفلة التامة، فإن أخذ المرء به لم يزل يسير به في مراتب الحكمة حتى يبلغ ما شاء الله أن يتحلى به منها، وإن أعرض عن العمل بمقتضاه توقف نور الحكمة في عقله وفاعليتها في سلوكه وخبط خبطَ عشواء من غير نظام يسير عليه.
المصدر: أصول تزكية النفس وتوعيتها، محمد باقر السيستاني، ج1، ص26-27