إنَ أهم ما يلزم على الإنسان في هذه الحياة بعد العلم بحقيقتها وآفاقها وغاياتها من خلال الإيمان بالله سبحانه ورسله الى خلقه والدار الآخرة هو توعيته لنفسه وتزكيته إياها، بتحليتها بالفضائل وتنقيتها من الرذائل، حتى يتمثل علمه في عمله واعتقاده في سلوكه، فيكون نوراً يستضيء به في هذه الحياة ويسير بين يديه وبإيمانه في يوم القيامة.
كما ينبغي الالتفات إلى أن التربية الدينية هي جماع الفضائل، فمن وجد في تربيته نقصاً وخللاً فلا يستند إلى الدين في شيء، بل ينشأ من عدم فهمه للدين أو عدم تمكن الدين من نفسه حتى يكون ملكة له وخلقاً، وإنما حفظة كعقائد آمن بها من غير أن يربي نفسه على مقتضاها.
وكيف لا يكون كذلك مع توجيهه دائماً إلى العقل في أصوله وفروعه وتذكيره بروائع الحكم في هذه الحياة مما يهدي طلاب الحكمة والبصيرة، فتامل ما جاء في الكتاب وقصار كلمات النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) ونهج البلاغة تجد خطاباً متوجهاً إلى العقل منيراً للفطرة محفزاً للضمير محركاً للوعي، وانظر إلى القادة المصطفين فيه كالنبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) ووصيه (عليه السلام) في سيرتهم وسلوكهم تجدهم من أكثر الناس اعتدالاً وحكمة، وأقواهم فطرة وعقلاً وأوضحهم فطنة وذكاءً وأحسنهم زكاة وتربية حتى كانوا بحق أسوة لسائر الخلق.
ولا يظنن أحد بأن فيما ورد من التعبد في الدين ما ينافي احترام العقل، فإنه لم يرد التعبد بشيء يخالف قضاءً واضحاً للعقل، وما طن فيه مثل ذلك لا يخلو عن أحد أمرين.
إما أن يكون العقل بعد استجماع التأمل والالتفات إلى جميع حيثيات الموضوع وأبعاده متحيراً بين خيارات عديدة فيرد الشرع بأحدها.
وأما أن لا يكون للعقل إدراك نافٍ أو مثبت أصلاً، فالتسليم بما تعبد به في مثله مما لا ينافي العقل بل هو من تمامه، فإن من وجوه الإذعان المنطقي بالشيء التعويل على أهل الخبرة فيه، وعدم الريبة في قولهم بمجرد طنون واحتلالات، ألا ترى أن المريض العاقل يعتمد على قول الطبيب الخبير الثقة من دون ترديد يقدح بثقته به وتعويله عليه.
المصدر: أصول تزكية النفس وتوعيتها، محمد باقر السيستاني، ج1، ص23-24.