إنَ أهم ما يلزم على الإنسان في هذه الحياة بعد العلم بحقيقتها وآفاقها وغاياتها من خلال الإيمان بالله سبحانه ورسله الى خلقه والدار الآخرة هو توعيته لنفسه وتزكيته إياها، بتحليتها بالفضائل وتنقيتها من الرذائل، حتى يتمثل علمه في عمله واعتقاده في سلوكه، فيكون نوراً يستضيء به في هذه الحياة ويسير بين يديه وبإيمانه في يوم القيامة.
وليعلم أن الإيمان بالدين لا يقلل من عقل المرء وحكمته بل يحفزه ويزيده كما يظهر من ملاحظة القرآن الكريم حيث يحث دوماً على التعقل والتفكير ويحاج الكفار وعبدة الأصنام وأصحاب الأهواء على أساس قضاء العقل ومدركاته البديهية، وعلى ذلك تجري كلمات نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأوصيائه (عليهم السلام) كما جاء طرف منها في نهج البلاغة، نعم يحول الدين دون التشبث بالتظني والوهم والاستحسان ونحوها ويرى لزوم التعبد بما يرد من النقل الثابت في مواردها، وذلك علامة من علائم الإيمان بل هو من تمام العقل.
فإن وجد المرء من قوم أو شخص من أهل الدين أفكاراً وتصرفات مصادمة لثوابت العقل ونوازع الفطرة- نظير ما اتفق من الخوارج في صدر الإسلام أو ما يتفق من الجماعات المتطرفة في هذا العصر- فليعلم أن ذلك ليس من جهة ديانتهم بل هي من جهة امزجتهم وصفاتهم التي لم تهذبها ديانتهم ولم توكيها مبادئهم، فلم يتبصروا بالدين ولا استناروا به ولا تفقهوا فيه، بل أخذوا منه ضغثاً مزجوه بعصبياتهم وأخلاقهم، فيظن الناظر أن ذلك كله من الدين.
وليس الدين هو مجرد إكثار التعبد لله سبحانه وتعالى أو الجهاد في سبيله، بل هو نحو من التعقل الجامع لحقيقة الحياة والحكمة فيها والعمل بموجبها، وربّ تعبد زيّن تصرفات المرء الباطلة لنفسه فازداد به جهلاً، أو قتال نشأ من مآرب خفية أو انفعالات غير مهذبة فظن أنها جهاد في سبيل الله فازداد من الله تعالى بعداً، وقد جاء عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال وقد رأى خارجياً يتعبد في آناء الليل: ((نوم على يقين خير من صلاة في شك)).
المصدر: أصول تزكية النفس وتوعيتها، محمد باقر السيستاني، ج1، ص23.