إنَ أهم ما يلزم على الإنسان في هذه الحياة بعد العلم بحقيقتها وآفاقها وغاياتها من خلال الإيمان بالله سبحانه ورسله الى خلقه والدار الآخرة هو توعيته لنفسه وتزكيته إياها، بتحليتها بالفضائل وتنقيتها من الرذائل، حتى يتمثل علمه في عمله واعتقاده في سلوكه، فيكون نوراً يستضيء به في هذه الحياة ويسير بين يديه وبإيمانه في يوم القيامة.
ولا غنى عن التعقل في الأمور وتقليبها واستبطانها واستشارة أهل الرأي الموثوق بهم فيها حسب ما يتيسر بمزاعم التوكل ودعاوى الإخلاص والتوسل الى استخارة الله تعالى والتعبد له، فإن ذلك جهل بسنن الحياة وسوء فهم للشريعة والدين وتخليط في الأمور، لأن الله سبحانه وتعالى جعل لكل شيء سبباً وإلى كل مقصد سبيلاً، ووهب للإنسان قوة عاقلة يدرك بها ما وسعه، ويستكشف بها ما جهله، فعليه أن يستعين بهذه القوة وما تفتق عنه من أدوات.
فمن سلك في الأمور غير سبلها وترك التمسك بأسبابها أغلقت عليه منافذها وأوصدت في وجهه أبوابها، ولم توجب له بركات الأرض ولا فتحت له أبواب السماء، ومن توكل على الله تعالى ولجأ الى ما جعله من الأسباب أوتي بركانها،
فأن أغلقت عليه أبواب الأرض فتحت له أبواب السماء حتى يقدر له الخير فيما استخار الله فيه ويسدده الله فيما عجز عنه من حيث لا يحتسب.
فينبغي للإنسان أن ينظر إلى هذه الحياة والمسلك فيها نظرة المتعلم، ولا يغادر هذه النظرة مهما بلغ حتى يلقى الله تعالى وهو على هذه الصفة، فلعمري إن هذه الحياة مدرسة للإنسان عميقة أغوارها متسقة صفوفها موصولة
مراتبها منظمة درجاتها.
ولكل إنسان فيها منزلته حسب مرتبته في التعقل والهدى، ولن يستكمل أحد التعلم ما دام هو فيها ولا يأمن الجهل حتى يلقى خالقها وبارئها.
وعليه أن يعتني بمطالعة التاريخ بتمعن وتفهم، فإن في التاريخ عظةً تساعد على انتفاء الهوى، وآفاقاً توجب مزيد التثبت والحذر، وهو بعد ذلك بعكس تجارب الآخرين فيكون في قوة المشاور الصامت، ويمثل السنن
الكونية الاجتماعية والتاريخية فيما تتضمنه من الحوادث.
المصدر: أصول تزكية النفس وتوعيتها، محمد باقر السيستاني، ج1، ص21-22.