إنَ أهم ما يلزم على الإنسان في هذه الحياة بعد العلم بحقيقتها وآفاقها وغاياتها من خلال الإيمان بالله سبحانه ورسله الى خلقه والدار الآخرة هو توعيته لنفسه وتزكيته إياها، بتحليتها بالفضائل وتنقيتها من الرذائل، حتى يتمثل علمه في عمله واعتقاده في سلوكه، فيكون نوراً يستضيء به في هذه الحياة ويسير بين يديه وبإيمانه في يوم القيامة.
وليعلم أن مفاتيح التعقل هي:
مجانبة الهوى، فإن الأهواء مغاليق للعقل وحواجب للإدراك، فمن غلبَ عليه حجاباً بينه وبين الأشياء، يلونها بصبغته ويحورها على وَفقِ رغبته، فلا يرى في مرآة عقله إلا بنفسه وأهواءه، متنكرة في لبوسها، متخفية في مظاهرها وصورها. ولا يشفع له حينئذٍ خبرته وفطنته، فكم صاحب خبرة ارتجَّت عليه خبرته، وصاحب فطنة تلبدت عليه فطنته، إذ غلبه هواه فلم يكد يبصر شيئاً.
ومن سلم من الهوى توقَّدت بصيرته وانفتحت منافذ عقله وبصَّره الله تعالى بأمور الدنيا على حقيقتها وعرَّفه خيرها وشرها، فإن لم يتيسر له ذلك فلا أقل من إن يلتفت إلى أن الأمر من مواطن الشبهة، فيقف عنده ويأخذ حذره منه، وقد ورد في الحديث الشريف: ((إنما الأمور ثلاثة، أمر بين رشده فيتبع، وأمر بين غيَّه فيجتنب، وأمر مشكل يُرد علمه الى الله ورسوله))، و((إن الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات)).
التثبت والحذر، فإن الله خلق الإنسان وهو لا يعلم شيئاً، فهو على هذه الصفة حتى يتعلم، فلا ينبغي أن يتعجل في الحكم ويتسرع في الاستنتاج ويتساهل في الإثبات، ويستحي من التوقف ريثما تتضح الرؤية وينضج التقدير ويستحكم الرأي، وعلم الإنسان بجهله نصف علمه، حيث يتأتى له التعلم والحذر والاحتياط، ومن جهل بجهله فقد جهل الشيء مرتين وعجز عن أن يتعلم أو يحذر، فارتكب الخطأ ووقع في الخطيئة.
المصدر: أصول تزكية النفس وتوعيتها، محمد باقر السيستاني، ج1، ص19.