إنَ أهم ما يلزم على الإنسان في هذه الحياة بعد العلم بحقيقتها وآفاقها وغاياتها من خلال الإيمان بالله سبحانه ورسله الى خلقه والدار الآخرة هو توعيته لنفسه وتزكيته إياها، بتحليتها بالفضائل وتنقيتها من الرذائل، حتى يتمثل علمه في عمله واعتقاده في سلوكه، فيكون نوراً يستضيء به في هذه الحياة ويسير بين يديه وبإيمانه في يوم القيامة.
ان رأس مال المرء في كل أموره في الحياة هو التعقل، فالتعقل هو نبراس الحياة وضياؤها وجماع الخير ورأس الفضائل ومنبع الكمالات، وما من َّ الله تعالى على عباده بنعمة مثل العقل السليم والإدراك الصحيح، وإذا أراد سبحانه بأحد خيراً كمَّل له عقله وأنار بصيرته وكان من أحب خلقه اليه، وإذا أراد به شراً يستجوبه بأعماله سلب عقله حتى يكون يقينه شكاً وعزمه وهناً وإدراكه وهماً.
وليعلم أن العقل اثنان عقل فطري وآخر مكتسب..
فالفطري منه ما جهز به الإنسان في أصل خلقه وتميز به عن البهائم من قوة يدرك بها مقدمات الأشياء وعواقبها ويوازن بين نفعها وضرها، وضمير انطوى عليه يدرك به محاسن الأفعال ومقابحها.
والمكتسب منه تنمية لما غرس فيه بالتفكير الدائب والتأمل السليم ومزاولة الحياة والاعتبار بالتجارب والحرص على معرفة الحق والحقيقة.
وقد بعث الله تعالى الأنبياء لتحريك إدراكات الإنسان وإثارة دفائن عقله، لينتبه لحقيقة المشهد الذي يجده ويعيش فيه ويدرك أبعاده وسننه وآفاقه، فينسق بينه وبين تصرفاته ليستثمر هذه الحياة على النحو الأمثل.
وعليه فخليق بكل إنسان بلغ سنَّ الإدراك والرشد، وعرف أن الحياة هادفة لا عبث فيها وجادة لا هزل في تكوينها أن يتعهد بتنمية عقله وصقله على الدوام، حتى يزداد يوماً بعد يوم بصيرة وهدى ويستزيد حكمة وسداداً، ليعيش حياة محسوبة خطواتها بينة غاياتها.
ويتأكد وجوب ذلك على من وقع في موقع الريادة لغيره في شأن من شؤون الحياة، كالآباء لأولادهم والمعلمين لتلاميذهم والمديرين في دوائرهم والقادة في شؤون قيادتهم، فيجب على كل هؤلاء مزيد في الأمور، لأنهم يتحملون مسؤولية الآخرين الذين يوجهونهم، كما قال تعالى: (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ ۖ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ).
المصدر: أصول تزكية النفس وتوعيتها، محمد باقر السيستاني، ج1، ص18-19.